شهدت منطقة شبه جزيرة القرم اخيراً انتخابات برلمانية هي الأولى من نوعها، منذ التدخل العسكري المباشر لروسيا في أوكرانيا، واقتطاعه القرم. وبرغم مرور ما يقارب العامين على التدخل العسكــري الروســي في القرم، جاءت انتخابات «مجلس الدوما» الروسية لتزيد حدة التوترات المتصاعدة، والخلافات الكبيرة واللامتناهية بين موسكو وكييف. وقالت الناطقة باسم الخارجية الأوكرانية ماريانا بيتسا: «إن الانتخابات التي أجرتها موسكو تعد بمثابة دليل على مواصلة تصرفاتها العدوانية، مشددة على أن شبه جزيرة القرم تابعة لأوكرانيا»، وأضافت في الوقت ذاته أن الانتخابات التي أجريت غير قانونية وتنتهك القوانين الأوكرانية والدولية، والاتفاقيات الأممية، ووحدة الأراضي الأوكرانية. تجـــاهل الجانب الروسي التصريحات الأوكرانية، وأصدر بياناً رسمياً قائلاً: في ما يتعلق بمحاولة سلطات كييف توجيه إنذارات لروسيا، فهي مثير للسخرية، لأن القرم جزء لا يتجزأ من روسيا، وقرار إجراء الانتخابات هناك، حق حصري للدولة الروسية. في هذا السياق، تحظى شبه جزيرة القرم بأهمية كبرى بالنسبة إلى موسكو تاريخياً وعسكرياً وجيوسياسياً، حيث يوجد فيها ميناء سيفاستوبول وهو مقر أسطول البحر الأسود الروسي الذي يضم الآلاف من عناصر القوة البحرية الروسية، وبالإضافة إلى ذلك يضمن لها التحكم بالمياه الدافئة ومرور أنابيب النفط والغاز والعديد من الثروات الباطنية الضخمة. تجدر الإشارة إلى أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا منذ ضم القرم لها في آذار (مارس) 2014، شملت عدة مجالات أهمها القطاع النفطي والمالي والعسكري، وجعلتها في عزلة دولية إلى حد ما، الى حين تدخلها العسكري المباشر في سورية. كما أجاز الرئيس الأميركي باراك أوباما آنذاك للخزانة الأميركية فرض عقوبات على الأفراد والشركات الروسية العاملة في القرم، وذلك بالتزامن مع حظر الاتحاد الأوروبي الاستثمار في المنطقة. لا يمكن تجاهل تمكن العقوبات الدولية على موسكو من إلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي الذي بدا واضحاً من خلال تفاقم الأزمات الاقتصادية، ولاسيما مع الانخفاض السريع في أسعار النفط الذي نتج منه انخفاض قيمة الروبل الروسي ودخول الاقتصاد الروسي مرحلة الركود، ليؤثر في معيشة المواطن الروسي الذي طالما كان يتغنى بالانتعاش الاقتصادي خلال فترة حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في الإطار ذاته، أعلنت واشنطن عدم اعترافها بشرعية الانتخابات الروسية في القرم، حيث جاء على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي: إن بلاده تعتبر القرم جزءاً لا يتجزأ من أوكرانيا، وأن واشنطن لن تعترف بنتائج انتخابات مجلس الدوما الروسي. وأبدى كيربي قلقه في هذا الخصوص إزاء الوضع الإنساني في القرم، بما في ذلك وضع «أقلية التتار» المسلمة التي تعارض ضم القرم إلى روسيا، والتقارير التي تتحدث عن أشخاص مفقودين وانتهاكات لحقوق الإنسان تحدث هناك. ووفقاً لآخر إحصاء سكاني أجرته أوكرانيا عام 2001، يمثل تتار القرم حوالى 12 في المئة، أي ما يقارب 243 ألف نسمة من عدد السكان البالغ عددهم مليوني نسمة، بينما يمثل الأوكرانيون حوالى 24 في المئة، في حين يبلغ عدد السكان من ذوي الأصول الروسية حوالى 58 في المئة في هذا الإقليم. الجدير بالذكر، إعلان نائب رئيس وزراء شبه جزيرة القرم رسلان بالبيك، أن نسبة التصويت لتتار القرم في الانتخابات البرلمانية الروسية كانت مرتفعة، وتراوحت بين 70 و75 في المئة وذلك تعبيراً عن تضامنهم مع باقي أبناء روسيا، وأضاف، لقد دأبت القوى الخارجية طيلة عامين ونصف على استغلال العامل القومي بما يخدم زعزعة الاستقرار في شبه جزيرة القرم وروسيا، وفقاً لما ذكرته قناة روسيا اليوم. في حين يرى بعض المراقبين أن إجراء الانتخابات التشريعية الروسية في القرم، هو إصرار من الكرملين على المضي إلى ما يسعى إليه في فرض واقع جديد، وهو قد نجح في ذلك أمام عجز أوروبي، وتصريحات كلامية أميركية لا تغني أوكرانيا بشيء. وعلى رغم التصريحات الدائمة للقادة الأوروبيين والأميركيين بأن ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا سيكون له ثمن باهظ، إلا أن النخبة الحاكمة في روسيا تعتبر ذلك واجباً تقتضيه ضرورة الدفاع عن المصالح الاستراتيجية الروسية.
مشاركة :