دخلت العملة الصينية أمس إلى النادي المغلق للعملات المرجعية المعتمدة لدى صندوق النقد الدولي إلى جانب الدولار واليورو، في تطور اعتبرته بكين "منعطفا تاريخيا" في طريق تحول اليوان إلى عملة دولية، واعدة بـ "تعميق" الإصلاحات المالية. وبحسب "الفرنسية"، فقد اندمج اليوان رسميا اعتبارا من أمس في سلة حقوق السحب الخاصة، الوحدة الحسابية المعتمدة من صندوق النقد الدولي، حيث ينضم إلى العملتين الأمريكية والأوروبية، إضافة إلى الجنيه البريطاني والين الياباني. وعلق البنك المركزي الصيني في بيان قائلا "إنها مرحلة تاريخية لليوان تؤكد نجاحات الصين على صعيد التطور الاقتصادي، وهو ثمرة الإصلاحات وفتح قطاعها المالي". وتابع البنك المركزي أن "الصين تنظر إلى دمج عملتها على أنه منعطف، وستعمد إلى تعميق إصلاحاتها وتوسيع انفتاح قطاعها المالي وتعزيز مساهماتها من أجل تعزيز النظام المالي العالمي". وتعتبر حقوق السحب الخاص أصلاً احتياطياً دولياً تم إنشاؤه من قبل صندوق النقد الدولي في عام 1969 لدعم الاحتياطيات الرسمية للدول الأعضاء فيه، حيث يمكن القيام بالتبادل بين الحكومات فيما يتعلق بالعملات المستخدمة بشكل حر في وقت الحاجة. وقرر صندوق النقد في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي تضمين اليوان ضمن سلة حقوق السحب الخاصة كعملة دولية خامسة، على أن يصبح القرار فعالا اعتبارا من أول تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2016. وقرر المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي أول أمس وزن كل عملة في سلة حقوق السحب الخاصة الجديدة، حيث سجل اليوان 10.92 في المائة، والدولار 41.73 في المائة، واليورو 30.93 في المائة، والين الياباني 8.33 في المائة، والجنيه الاسترليني 8.09 في المائة، وستبقى النسبة المئوية المذكورة ثابتة خلال السنوات الخمس المقبلة إلى حين موعد المراجعة الجديدة لسلة حقوق السحب الخاصة. وتبذل الصين منذ سنوات جهودا حثيثة لتجعل من اليوان عملة احتياط دولية بما يلائم مستواها كثاني قوة اقتصادية في العالم، وذلك بموازاة فتح سوقها بصورة تدريجية. وفي هذا السياق، يأتي اعتراف المؤسسة المالية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها بموقع العملة الصينية بإدخالها رسميا إلى مجموعة العملات العالمية الكبرى، بمثابة انتصار دبلوماسي لبكين. وأوضح داريوس كوفالتشيك المحلل في مصرف "كريدي أجريكول" أن هذا قد يسرع تنويع احتياطات المصارف المركزية والصناديق السيادية بالعملة الصينية، ولو أنها غير مرغمة على الالتزام بشكل صارم بتركيبة سلة حقوق السحب الخاصة، متوقعا تزايد احتياطاتها من اليوان بما بين 25 و30 مليار دولار. وخلافا للعملات الأخرى الداخلة في تركيبة حقوق السحب الخاصة، فإن اليوان غير قابل للتحويل بصورة كاملة، ويبقى من الصعب إعادة الرساميل التي يوظفها أجانب في الصين. وأعلنت كرستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي أن اليوان ينظر له من قبل المجتمع الدولي كـ "عملة دولية قابلة للاستخدام الحر" وسينضم إلى سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد في أول تشرين الأول (أكتوبر)، إلى جانب الدولار الأمريكي واليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني. وقالت لاجارد "إنها المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها توسيع سلة حقوق السحب الخاصة"، مشيرة إلى أن إدراج اليوان في السلة سيدفع إلى تنويعها وسيجعلها أكثر تمثيلا للعملات العالمية والاقتصاد العالمي. ولأن العملة الصينية أوفت بمعيار صندوق النقد الدولي المتمثل في "الاستخدام الحر" في النظام الاقتصادي العالمي، فستستخدم في العمليات المالية الماضية قدما للصندوق. وبحسب وكالة الأنباء الصينية الرسمية "شينخوا"، فقد صرح تميم بيومي الباحث الزميل البارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أنه لم يحدث من قبل قط أن اُستخدمت عملة من الأسواق الناشئة للقيام بمعاملات دولية في صندوق النقد بهدف الاقتراض والإقراض، فهذه هى المرة الأولى، إذ لم يحدث هذا الأمر من قبل قط". وذكر بيومي "أظن أنها إشارة مهمة للغاية على أن العالم بدأ يدرك الأهمية المتزايدة للأسواق الناشئة، ليس من حيث التجارة فحسب، إنما أيضا من حيث التمويل"، مضيفا أن "الرنمينبي يحطم السقف الزجاجي المالي". وشاطره الرأي إيسوار براساد الباحث الزميل البارز في معهد "بروكينجز" والرئيس السابق لقسم الصين في صندوق النقد، لافتا إلى أن العملة الصينية في سلة حقوق السحب الخاصة يعد "خطوة مهمة ضخمة" للصين والمجتمع المالي الدولي. وصرح براساد بأن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إدراج عملة دولة كبيرة ومتوسطة الدخل في سلة حقوق السحب الخاصة، مضيفا أنها "شهادة على أهمية الصين المتنامية في الاقتصاد العالمي والتمويل الدولي". وذكرت لاجارد أن "إدراج الرنمينبي في السلة يعد أيضا خطوة مهمة في اندماج الاقتصاد الصيني في النظام المالي والنقدي العالمي ويعكس التقدم الذي تم إحرازه في إصلاح أنظمة النقد وسعر الصرف والشؤون المالية في الصين". ورغم أن اكتسابها الوضع الرسمي لعملة احتياطية عالمية لا يجعلها ترتقى إلى وضع مغير لقواعد اللعبة في النظام المالي الدولي، إلا أنها تستطيع دفع المصارف المركزية حول العالم إلى البدء في إضافة أصول مقومة بالرنمينبي إلى مدخراتها الاحتياطية، كما يمكن تشجيع المستثمرين من القطاع الخاص على شراء مزيد من الأصول الصينية للحصول على عوائد أعلى. وتوقع سيدهارث تيواري مدير إدارة الاستراتيجية والسياسة والمراجعة في صندوق النقد أن يزيد إدراج الرنمينبي في سلة حقوق السحب الخاصة من دعم استخدامه وتداوله المتزايدين بالفعل على الصعيد الدولي. ومع النمو الاقتصادي المطرد وارتفاع عوائد السندات، تشهد الصين رغبة متزايدة في الخارج على استخدام عملتها وشراء سندات الحكومة الصينية، رغم انخفاض قيمة عملتها مقابل الدولار في الأشهر الأخيرة. وقد احتل الرنمينبي المرتبة الخامسة من حيث العملة الأكثر نشاطا للمدفوعات العالمية وذلك من حيث القيمة في تموز (يوليو) بحصة نسبتها 1.9 في المائة وبزيادة عن 1.72 في المائة في حزيران (يونيو)، وفقا للبيانات الصادرة عن منظمة المعاملات المالية العالمية "سويفت". بيد أن وضع عملة احتياطية عالمية لن يحول الرنمينبي تلقائيا إلى عملة احتياطية عالمية كبرى، فذلك سيكون خيار السوق، وقال براساد "إنه في النهاية وبغض النظر عما يقوله صندوق النقد أو أي شخص آخر، فالسوق هي التي ستحدد مدى بروز الرنمينبي"، مضيفا أن "وضع العملة الاحتياطية بالنسبة إلى اليوان سيمنح الصين "زخما إضافيا" للدفع من أجل تحقيق مزيد من الإصلاحات". ومن أجل زيادة جاذبية اليوان كعملة احتياطية عالمية، ذكر براساد أن الصين بحاجة إلى حساب رأسمال أكثر انفتاحا، وسعر صرف أكثر مرونة، والأهم من ذلك مجموعة واسعة من الأسواق المالية وإطار تنظيمي مالي أفضل. وأشار جين تشونج شيا مندوب الصين لدى الصندوق إلى أنها نقطة انطلاق جديدة للإصلاحات الاقتصادية والتنمية في الصين، مضيفا أن "بكين ستواصل الدفع من أجل تحقيق إصلاحات مالية عقب إدراج الرنمينبي رسميا في سلة عملات الاحتياطي". وأضاف تشونج شيا أن "الصين ستقوم في النهاية بتحرير حساب رأس المال بدرجة أكبر وسيصبح سعر الصرف أكثر مرونة بكثير"، مؤكدا أن الأمر سيتم عبر عملية تدريجية أو تطورية، مضيفا أننا "ندرك تماما أن جهودنا الإصلاحية الموجهة نحو السوق ما زالت تشق طريقها في إطار هذه العملية، لهذا لا يزال هناك كثير من العمل الذي ينبغي القيام به". وإذا ما أجرت الصين مزيدا من الإصلاحات المالية وواصل اقتصادها نموه كما كان عليه، يتوقع براساد أن يمثل الرنمينبي ما يراوح بين 10 و15 في المائة من احتياطي النقد الأجنبي العالمي خلال السنوات من العشر إلى الـ 15 المقبلة، ليصبح منافسا شديدا لعملات الاحتياطي الحالية مثل الين الياباني والجنيه الاسترليني.
مشاركة :