هشاشة كومباني في مواجهة قسوة الواقع

  • 10/3/2016
  • 00:00
  • 92
  • 0
  • 0
news-picture

بالنظر إلى أسلوب تعامل جوزيب غوارديولا مع نايا توريه وجو هارت، فإن الأخبار القادمة قريبًا قد تكون أسوأ بالنسبة لمدافع مانشستر سيتي فنسنت كومباني البالغ من العمر 34 عامًا بعد الإصابة الأخيرة التي تعرض لها. بالنسبة لكومباني، يمكن للمرء أن يتخيل شعوره، ليس من الجيد إطلاقًا أن يشعر المرء أن قدميه تخوناه ولم تعودا كما كانتا وأنه يمر بفترة من حياته المهنية أصبحت خلالها الإصابات كالسيل المنهمر. وقد تكون إصابة كومباني الأخيرة هي الأسوأ في تاريخه لتزامنها مع قدوم فريق إداري ومدرب جديد للفريق يثير انطباعًا بأنه لا مكان للعواطف في قراراته. وبالتأكيد من الصادم إحصاء عدد المباريات التي فوتها كومباني، وكذلك الطبيعة المتكررة لإصاباته، وحاجته المستمرة لإعادة التأهيل، الموجات المتكررة في حياته من السقوط والعودة إلى الملاعب والإحباطات، في وقت تزداد الشكوك في أن ناديًا يملك طموحات كتلك التي تخالج مانشستر سيتي قد يقرر في النهاية أنه لا سبيل للعودة أمام كومباني. يذكر أن الإصابات الـ14 المختلفة التي مني بها كومباني في عظمة الربلة تسببت في غيابه على مدار 333 يومًا خلال الفترة الأولى لمشاركته في صفوف مانشستر. ومن بين المحن التي مر بها تعرضه لست فترات من الغياب بسبب مشكلات في العرقوب، بجانب أربع فترات غياب بسبب في التمزق الأربي، وثلاثة أخرى بسبب إصابات في الركبة والفخذ. منذ أغسطس (آب) 2014، غاب كومباني عن نصف لقاءات الفريق الأول لمانشستر سيتي. ورغم أنه من القاسي قول ذلك، فإنه على ما يبدو فإن وصف الإيطالي روبرتو مانشيني مدرب سيتي السابق لميكاه ريتشاردز بأنه «سواروفسكي» - أي مصنوع من الزجاج، بعد تعرضه بإحدى المباريات، يليق أكثر بكومباني. ورغم أن غوارديولا، من جانبه، لا يميل بطبعه لإصدار مثل هذه التصريحات العلنية الجارحة، فإن لكومباني كل الحق في الشعور بالقلق بالنظر إلى السرعة التي تخلى بها مدرب مانشستر سيتي الجديد عن جو هارت، ونبذه يايا توريه، وتوضيحه أنه لا يشعر بالانبهار حيال الأداء الذي قدمه النادي من قبل. اللافت أن غوارديولا لم يعبأ حتى بمجرد إخطار توريه بأنه لن يشارك في بطولة دوري أبطال أوروبا. كما طلب غوارديولا من وكيل اللاعب التقدم باعتذار علني إليه، لكن من غير المحتمل أن يخلق مثل هذا الاعتذار، حال تقديم ديمتري سيلوك الأناني المتغطرس له، أي اختلاف في معاملة المدرب لتوريه. الحقيقة أن غوارديولا ليست لديه أية نية للاستعانة بتوريه في كل الأحوال. والواضح كذلك أن غوارديولا من الشخصيات التي ترفض الانحناء أمام أي شخص مهما كان. لذا، فإن الأجدى لتوريه أن يشعر بالقلق حياله مستقبله. من ناحية أخرى، فإن لغوارديولا كل العذر إذا ما كانت الشكوك تساوره حيال ما إذا كان باستطاعته الثقة في كومباني، خاصة وأنه ليس من السهل الدفاع عن اللاعب البلجيكي الذي بات يعرف على مستوى الملاعب باسم «إجازة مرضية». وقد سبق أن حمل دارين أندرتون هذا اللقب وكان يكرهه بشدة ويراه مجحفًا - وله كل الحق في ذلك بالنظر إلى أنه شارك في 299 مباراة بالدوري الممتاز مع نادي توتنهام هوتسبر - مما يشكل رقمًا قياسيًا على مستوى النادي، يفوق عدد مشاركات غاريث بيل وهوغو لوريس معًا. أما كومباني فلديه سجل مشاركة أسوأ. ومع ذلك، هيمنت الإصابات على الصورة العامة لأندرتون وذلك خلال الفترة السابقة مباشرة لبطولة «يورو 1996» وبطولة كأس العالم لعام 1998. في الواقع، ظل أندرتون يشارك بالملاعب حتى الـ36 من عمره، لينجز مشواره الكروي بأقل قليلاً عن 500 مباراة. ورغم ذلك، فإنه لدى عودته إلى استاد وايت هارت لين الموسم الماضي كنجم ضيف يتولى الإذاعة في الاستراحة بين شوطي إحدى المباريات، لم يملك المذيع الذي قدمه منع نفسه من التهكم عليه باعتباره كان مفتقرًا إلى اللياقة البدنية الكافية. في حالة كومباني، ليس من السهل بالتأكيد التشكيك في قرارات غوارديولا في وقت حقق الفريق تحت قيادته 10 انتصارات متتالية. ومع ذلك يبقى التساؤل: هل توقع مدرب مانشستر سيتي حقًا من اللاعب صاحب أسوأ سجل من الإصابات في تاريخ الدوري الممتاز أن يشارك بمباراة بأكملها في أول مشاركة له بعد عودته من غياب خمسة شهور بسبب الإصابة؟ وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، تحدث غوارديولا عن أن اللاعب البالغ 30 عامًا يمكن الاستعانة به لمدة تتراوح بين 15 و20 دقيقة كبديل. من الواضح أن ثمة تغييرًا طرأ، وخلال مواجهة مانشستر سيتي مع سوانزي سيتي في إطار بطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة سقط كومباني في ذات المشهد الذي بات مألوفًا الآن مع خروجه من الملعب ورأسه مطأطأ للأسفل ويمسك بركبتيه ويحمل وجهه تعبير الألم - وكان السبب هذه المرة إصابة جديدة في الأربية. من ناحية أخرى، فإن هذه ليست المرة الأولى التي يبدو أن مانشستر سيتي بالغ في إنهاك لاعبه. من جانبه، قال كومباني: «في العادة تحصل على فترة راحة، قد تشارك خلالها في مباراتي تدريب لتستعيد كامل لياقتك البدنية»، وذلك في أعقاب عودته إلى الفريق في مارس (آذار) بعد أن غاب قرابة خمسة شهور الموسم الماضي. إلا أن هذا لم يحدث هذه المرة. بدلاً عن ذلك، استعان به المدرب مانويل بيليغريني في خمس مباريات في غضون 16 يومًا، شارك بها جميعًا بأكملها. أما المباراة السادسة، التي أقيمت بعد ثلاثة أيام، فكانت مباراة الإياب في بطولة دوري أبطال أوروبا أمام دينامو كييف، والتي كان مانشستر سيتي يخوضها وهو في موقف صلب نتيجة فوزه في مباراة الذهاب في أوكرانيا بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد. ومع ذلك، لم ينظر بيليغريني إلى المباراة كفرصة يريح خلالها لاعبه، وفي غضون سبع دقائق من بداية المباراة سقط كومباني على الأرض يصرخ من الألم في الجزء الأسفل من ساقه. ومنذ ذلك الحين، لم ينجح كومباني في المشاركة بمباراة بأكملها سوى مرتين، الأمر الذي يعكس سوء إدارة بقدر ما يعكس هشاشة بنية اللاعب. أما الأمر الذي لم يكشف النقاب عنه من قبل فهو أنه خلال فترة الاستعداد لديربي مانشستر، وقع صدام بين كومباني وزميله ألكسندر كولاروف، أحد اللاعبين الذين حلوا محل كومباني، داخل ملعب التدريب. ورغم أن الحادثة لم تبد خطيرة على نحو قد يؤثر على أداء مانشستر سيتي بوجه عام، وإنما بدت أقرب إلى الصدامات المألوفة بمجال كرة القدم، فإنه يبقى من المثير للدهشة تورط كومباني على وجه التحديد في مثل هذا العراك، وقد يمكن تفسير ذلك بالضغوط التي يفرضها عليه وضعه الراهن. في الواقع، تكشف لنا السيرة الذاتية لبول ليك بوضوح التداعيات الوخيمة المترتبة على عدم مشاركة لاعب كرة قدم في المباريات. ويعتبر ليك واحدًا من الحالات المتطرفة المنتمية لحقبة مختلفة تمامًا اضطرته خلالها إصابة شديدة بالركبة أدت لتشويهها، مما اضطره إلى اعتزال كرة القدم ووضع نهاية لمسيرة واعدة وهو لم يزل في الـ27. ومن الممتع حقًا قراءة كتابه «أنا لست هنا حقًا»، خاصة الأجزاء التي يتعرض خلالها لمحنته المرتبطة بعدم المشاركة في المباريات مع مانشستر سيتي، والتعذيب المستمر الذي كان يشعر به لدى مشاهدته اللاعبين الآخرين يعدون داخل الملعب، بينما تعصف برأسه الشكوك فيما إذا كانت ستتاح له مرة أخرى فرصة النزول إلى أرض الملعب. وقد مال ليك لتجنب دخول غرفة تغيير الملابس الخاصة باللاعبين بأقصى قدر ممكن. وعن ذلك قال: «حقيقة عدم مشاركتك قط في المباريات وكونك تألف غرفة الفريق الطبي بدرجة أكبر عن غرفة تغيير الملابس، تجعلك تشعر وكأنك عنصر دخيل على الفريق لا مكان لك بينهم». وأصبحت مشاهدة المباريات من المواقف المؤلمة للغاية بالنسبة له لدرجة دفعته لمحاولة اختلاق أي شيء لتشتيت انتباهه - حتى وإن كان ذلك يعني محاولة تذكر أرقام الهواتف الموجودة على لوحات الإعلانات، أو التطلع نحو وجوه المشاهير في صفوف الجماهير. وفي بعض الأحيان، كان المدرب يطلب منه المشاركة في الإحماء بين الشوطين، وحينها كانت تنهال عليه أسئلة المشجعين عن متى سيعاود المشاركة بالفريق. واعتاد ليك الرد بأنه «سأعود في غضون ستة أسابيع»، وذلك «رغم أنه لم تكن لدي أدنى فكرة عن متى - بل وما إذا كنت سأعاود اللعب من جديد يومًا ما». وفي إحدى المرات، اقترب منه أحد المشجعين الراغبين في نيل توقيعه التذكاري قائلاً: «رغم أنني لا أتوقع أن تعاود اللعب قط مجددًا، فإنني أرغب في الحصول على توقيعك على هذه الكرة على أية حال؟»، بينما أخبره آخر: «أتمنى أن أعمل في وظيفتك كي أتقاضى راتبًا لا أفعل أي شيء مقابله». وفي إحدى المرات، عثرت الشرطة على ليك فوق أحد الكباري المطلة على طريق سريع. ومع أنه لم يكن ينوي الانتحار، فإنه كان يعاني من اكتئاب حاد، «وقد جعلتني قصته أدرك كيف أنه يتعين علينا جميعًا إبداء قدر أكبر من التفهم لمدى صعوبة المحنة التي يكابدها لاعب بأحد أندية النخبة عندما يخذله جسده مرارًا». في حالة كومباني، فإنه سقوطه يبدأ في اللحظة ذاتها التي يبدأ النادي خلالها ما يجري وصفه بـ«حقبة أبوظبي»، حيث يتأهب النادي لخوض مغامرات مثيرة وتراوده طموحات كبرى. خلال فترة ذروة تألقه، كان كومباني جديرًا بالنظر إليه كلاعب خط وسط متميز على مستوى الدوري الممتاز. إلا أن هذه الأيام تبدو الآن وكأنها ماض بعيد ولا يجد اللاعب أمامه الآن سوى الوجه القاسي لكرة القدم ومستقبل لا يدعو للتفاؤل.

مشاركة :