على أنغام الموسيقى المنبعثة من سماعات متصلة بجهاز هاتف نقّال إلى أذنه، كان رأس ماسح الأحذية الشاب يتمايل يميناً ويساراً على رغم انشغاله بتلميع حذاء أحد الزبائن، لكن العمل لم يوقف ذلك الرأس من الاهتزاز. البخشيش الذي منحه الرجل للشاب الذي يبدو دون العشرين من العمر، دفعه إلى الرقص لثوان قليلة، قبل أن تنطلق صيحات رفاقه من حوله بعبارات التشجيع والضحك، ومن ثم عادوا جميعاً إلى العمل والتركيز على أقدام المارة لعل أحدهم يطلب تلميع حذائه أثناء مروره بالقرب منهم. بعض ماسحي الأحذية في بغداد، يستخدمون مذياعاً صغيراً بقربهم يبث مجموعة من الأغنيات الشعبية السريعة وسط الضوضاء والزحام الذي يحيط بالمكان. أبواب الوزارات الحكومية والدوائر الرسمية والمستشفيات والجامعات هي من المواقع الاستراتيجية لماسحي الأحذية، حيث يلتقطون رزقهم من المارة الذين يلمعون أحذيتهم قبل الدخول إلى العمل أو بعد انتهاء الدوام. وفي إحدى زوايا الساحة القريبة من مدخل مجمع باب المعظم الجامعي، ينتشر أكثر من 12 شخصاً من ماسحي الأحذية في نقاط عدة، واضعين عدتهم أمامهم، فيما هيأ بعضهم قطع قماش جديدة للزبائن وانشغل آخرون بمسح أحذية المارة بحركات خفيفة ومتقنة. يقول يزن حامد أحد الأطفال الذين يعملون في مهنة مسح الأحذية في بغداد: «كسبت عشرات الزبائن في غضون أسبوعين على النقيض من المكان الذي كنت أجلس فيه سابقاً في السوق الشعبي في مدينة الكاظمية، فهناك من النادر أن يقوم المارة بتلميع أحذيتهم على النقيض من الجامعات التي تقوم غالبية الطلاب فيها بتلميع أحذيتهم عند الباب قبل دخولهم إلى المحاضرات». ويضيف: «بعض الزبائن يعتادون علينا ولا يغيرون ماسح أحذيـــتهم إلا في حال كان غير موجود في مكانه، وهم غالـــــباً ما يدفعون البخشيش لنا لأن أجرة مسح الحذاء وتلميعه زهيدتان». الحرص وخفة اليد والعمل المتقن كلها أسباب تدفع الزبون للعودة إلى الشخص ذاته لمسح حذائه، لكن الصيف والأتربة وأمطار الشتاء أسباب رئيسة وراء إقبال الزبائن على ماسحي الأحذية في المكان وهي أسباب مهمة لازدهار هذه المهنة البسيطة التي يمارسها الكثيرون من الأطفال والشباب في العراق. بغداد
مشاركة :