يعجبني طرح الإعلامي داود الشريان للأسئلة، وهو في أوج الحوار مع ضيوفه في برنامجه التليفزيوني.. وتجده يردد أين «الضمير»؟!، والإجابة مني: الضمير انعدم في خضم الهرولة في هذه الحياة المتلاطمة، ولكن السؤال: متى سنلحق بالركب العالمي، في وقت تتسارع خطواته ليس بالعلم فقط ولا بالتقدم ولا بالتطور، بل وفي شحذ الضمير ومراجعة النفس، ومحاسبة كل مسؤول مهما كانت صفته الاعتبارية، ومحاسبة من يتجاوز على الحق العام وحقوق الآخرين. يقال إن هناك قضية فساد في مملكة السويد، بطلتها عضو في البرلمان، وهي عمدة مدينة استكهولم، ورئيسة حزب، ومن الشخصيات المؤثرة في القرار، إضافة إلى أنها عضو في منظمة حقوق الإنسان، وقضيتها أحدثت ضجة كبيرة ومدوية، بعد اتهامها بارتكاب فساد إداري، وتهم أخرى مثل استغلال منصبها! أقدمت هذه السيدة على تعبئة مركبتها الخاصة بالوقود، واستقطاع الثمن من فواتير حكومية، وهنا حصلت تداعيات خطيرة جراء ما أقدمت عليه: بأي حق تستخدم فواتير حكومية لتسديد ثمن وقود مركبتها الخاصة؟ لماذا تجاوزت صلاحياتها وتصرفت في ملكية عامة لشأن خاص؟ لماذا خانت الأمانة وهي حاكمة المدينة؟ ونشطت الصحافة (بأنواعها)، وكذلك الجمعيات والمنتديات المهتمة بالحقوق العامة ومكافحة الفساد، وتناولت (الفضيحة الكبرى) وطرحتها للرأي العام من جوانبها المختلفة وتحديد الأضرار التي أحدثتها، وخرقها الدستور وتشويه سمعة السويد. حاولت هذه السيدة بكل ما تملك من مبررات الدفاع عن نفسها أمام المحكمة بالقول: «اضطررت مرغمة حيث إنني لم أملك في ذلك الوقت في محفظتي نقوداً!»، فردّ عليها القاضي مؤنباً: «أين القسم الذي أقسمت عليه؟!، هذا لا يبرر ما فعلت، إذ كان بإمكانك أن تصعدي في القطار العام يا سيدتي، الشعب سواسية تحت القانون». انتهت حيثيات التحقيقات القانونية للمحاكمة والمتابعة اليومية من وسائل الإعلام واستطلاعات الرأي العام، إلى إدانة شديدة لتصرف العُمدة ووصمتها بالفساد! ومن جرّاء هذه الإدانة اضطرت على الفور إلى تقديم استقالتها من منصبها كعمدة للمدينة، كما رفعت حصانة عضويتها من البرلمان، وجُمدت كل صلاحياتها، مما اضطرها إلى توجيه رسالة خطية عبر الصحف المحلية للشعب السويدي وحزبها بالاعتذار! فقضي عليها بالتقاعد وجلوسها في بيتها! من أجل ثمن بسيط، وتصرف شخصي اضطراري، لم يشفع لها أحد في بلاد (الكفّار)، ولم يدافع عنها أحد من (ربعها) العديدين، كما لم يحاول (حزبها) الدفاع عنها بمبررات، أو تلفيق قضية وفق نظرية «الباب اللي يجيك منه الريح». أتساءل: ماذا سيحدث لو اتهم مسؤول لدينا بمثل هذه التهمة؟!
مشاركة :