كانت كاترا آبي تحلم دائماً بالعودة إلى عائلتها الكبيرة في الصومال. أطفالها الثمانية ولدوا في كينيا المجاورة، في أكبر مخيم للاجئين في العالم، لكنها تأمل في يوم من الأيام أن يتمكن أطفالها من الزواج، وتكوين أسر خاصة بهم في وطنهم الأصلي. لكن طالما استمر المتمردون من «حركة الشباب» في ممارسة العنف والسعي للإطاحة بالحكومة الصومالية الضعيفة، فإنها تريد البقاء في المخيم. كانت كينيا قد أعلنت في مايو، عن عزمها إغلاق «داداب»، المنطقة المهجورة من الصحراء التي تؤوي أكثر من 300 ألف لاجئ، من بينهم كاترا وأطفالها الثمانية، وتدعي الحكومة أن مقاتلي حركة الشباب بات لهم موطئ قدم هناك. وتحت ضغط من الحكومة الكينية، التي تستضيف سابع أكبر تجمع للاجئين في العالم، وافقت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة على الإسراع في إعادة الصوماليين، الذين كانوا على استعداد للعودة إلى ديارهم، وقريباً سيتم إرسال ما يصل الى 1000 شخص إلى الصومال كل يوم. لكن كاترا تقول إنه لا يوجد شيء طوعي في برنامج إعادة التوطين التابع للوكالة، الذي يتم تمويله جزئياً من قبل حكومة الولايات المتحدة. لقد وافقت على الانتقال إلى الصومال في شهر أغسطس، لأنها اعتقدت أن الحكومة الكينية ستطرد الجميع من المخيم بالقوة، في نهاية المطاف. وقالت إنها تعلم أنه إذا بدأ الجيش باعتقال اللاجئين وإعادتهم إلى الصومال، كما فعل بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية في 2014، فلن يكون هناك وقت للاستفادة من المساعدة المالية المحدودة التي تقدمها المفوضية للعائدين طوعاً. لذلك قررت كاترا أن تأخذ أطفالها إلى كيسمايو، جنوب الصومال، رغم أنها تعلم أنهم لن يلقوا الترحيب هناك. وعند وصولها إلى المدينة الساحلية، وجدت أن الدعم الأساسي الذي وعد به العائدون «طوعاً» - المدارس والرعاية الصحية والمبلغ النقدي الهزيل لشراء الطعام - لم يكن كافياً أو لم يكن موجوداً على الإطلاق. انتهى بها المطاف مع أطفالها في مخيم للنازحين داخلياً الذين تركوا ديارهم بسبب الحرب الأهلية. وطنهم الجديد عبارة عن مئات الأكواخ البالية المترابطة على شاطئ تتناثر فيه القمامة، إنه يشبه المكان الذي تركوه وراءهم في «داداب». إلا أنه أقل أمناً، ولا يوجد به عمال إغاثة بما يكفي لإبقائهم على قيد الحياة. خيار آخر القوت اليومي تقدّر المنظمات التابعة للأمم المتحدة وهيئات الإغاثة غير الحكومية أن الأشخاص الذين لا مأوى لهم، في كيسمايو، يصل إلى 15%. وتدفق مئات العائدين من مخيم «داداب» إلى مخيمات النازحين داخلياً، والمقدر عددها بنحو 86 مخيماً منتشرة في أنحاء المدينة، وفقاً للحكومة الإقليمية. وفي أحد هذه المخيمات، ويسمى «الوحدة»، تنتشر العشرات من المساكن المؤقتة، محاطة بأكياس فارغة، عبر الكثبان الرملية. من بين 200 عائلة تصارع لكسب قوتها اليومي هناك، يوجد 60 منها عائدة من كينيا. يقول أحد العائدين، يدعى أحمد محمد أبوبكر: «ليست هناك مياه ولا صرف صحي»، ويضيف الشاب الذي فر من القتال في كيسمايو مع عائلته في 2009: «هذا هو بلدي، ولكن لا يوجد شيء بالنسبة لي هنا. أنا أتخبّط وبلا مأوى». تقول كاترا: «كنت فقيرة في داداب، لكني أنا أسوأ حظاً هنا»، مضيفة «قال لنا الكينيون إنه حان الوقت للعودة إلى الصومال، وأخبرونا أنه لا يوجد لدينا خيار آخر». ومنذ نهاية 2014، سهلت وكالة اللاجئين عودة أكثر من 24 ألف لاجئ إلى الصومال، وجميعهم رحل طوعاً، وفقاً للوكالة، التي سرّعت عملية الإعادة لمواكبة الجهود الكينية لإغلاق مخيم «داداب»، إلا أن الخط الفاصل بين الطوع والإكراه يبدو أنه قد انهار، وفقاً لمراقبين للوضع. وتدير الأمم المتحدة حالياً عملية تنتهك القاعدة الأساسية لحماية اللاجئين، التي تنص على «أن اللاجئين وطالبي اللجوء لا يرحّلون رغماً عنهم إلى أي بلد يواجهون فيه خطر الاضطهاد». مبدأ عدم الإعادة القسرية، يدخل ضمن الاتفاق الثلاثي المبرم في 2013، والذي وقع بين الأمم المتحدة والحكومتين الكينية والصومالية، التي تحكم عملية إعادة اللاجئين الصوماليين، وكذلك الاتفاقية الإفريقية للاجئين (1969)، التي وقعت عليها كينيا. وثمة الكثير من الأدلة على أن كينيا تخرق هذه الاتفاقيات، وأن الأمم المتحدة تمكنها من القيام بذلك، خصوصاً في الاشهر الأخيرة، اذ وثقت منظمات حقوق الإنسان حوادث تخويف وترهيب في مخيم «داداب». والمقابلات التي أجريت في مدينة كيسمايو الساحلية، مع لاجئين من مختلف الأعمار، تقدم دليلاً ملموساً على أن اللاجئين قد أعيدوا رغماً عنهم، فقد أكدوا أن حملة الترحيل القسري جارية. وقال أكثر من 10 عائدين من «داداب»، هذا الشهر، في لقاءات منفصلة إنهم تعرضوا للترهيب من قبل السلطات الكينية، وفي نهاية المطاف اضطروا لمغادرة كينيا. ووصف العائدون وعمال الإغاثة ومسؤولون في الحكومة الصومالية، تسهيل عملية الإعادة بأنها قسرية من قبل وكالة اللاجئين، وأنها تنفذ بشكل عشوائي وغير مدعوم بأي خطة طويلة الأجل لمنع العائدين من أن يصبحوا لاجئين في بلدهم. حراس البوابات يقول رئيس بلدية كيسمايو، إبراهيم محمد يوسف، معلقاً «إنهم يقتادون الناس إلى هنا حيث لا يوجد دعم دولي أو خطة لكيفية الاعتناء بهم»، مضيفاً «ليس لديهم مأوى ولا غذاء ولا مرافق طبية ولا مدارس»، ويستدرك يوسف «نحن دولة صغيرة تعاني حرباً أهلية، والناس يموتون بسبب نقص الرعاية الصحية، فكيف يمكننا أن نهتم بمزيد من الناس؟». قبل أن يبدأ توافد العائدين من مخيمات اللاجئين في كينيا، يوجد في الصومال أكثر من مليون شخص نزحوا داخل الحدود بسبب الصراع والجفاف. ويعيش معظمهم في مخيمات مكتظة على أطراف المدن، يدفعون المال لما يسمى «حراس البوابات» لتجنب استهدافهم من قبل العصابات والميليشيات. ولايزال عدد قليل من المستشفيات والمدارس قائماً بعد ربع قرن من الحرب الأهلية، وأغلبها يعود للقطاع الخاص، ما يجعلها باهظة الكلفة للجميع، ما عدا الأغنياء، ولا يجد أربعة من 10 صوماليين ما يكفي من الطعام، وفقاً للأمم المتحدة. تقول المنظمة الأممية إن أجزاء معينة في الصومال تعتبر آمنة للعودة، بما في ذلك كيسمايو. ولكن حتى المسؤولون في وكالة اللاجئين التابعة لها، يعترفون بأن هذا «مجرد تمنٍّ». ويشير تقرير الوكالة، الصادر في مايو، حول جنوب ووسط البلاد، إلى أن «المدنيين لايزالون متأثرين بشدة جراء الصراع، مع ورود أنباء عن مقتل مدنيين في أحداث عنف مرتبطة بالنزاع المسلح، والعنف واسع النطاق على نوع الجنس، وضد النساء والأطفال، والتجنيد القسري للأطفال، والتشريد على نطاق واسع». ووفقاً لمسؤولين صوماليين فإن غياب فرص عمل كافية والخدمات الاجتماعية للعائدين، خصوصاً الرجال، يجعلهم معرضين للتجنيد من قبل حركة الشباب المتطرفة.
مشاركة :