رأى المدير التنفيذي لإدارة الأصول في بنك «مونتريال» فراس ملاح، أنه ينبغي على الكويت والسعودية ودول الخليج الأخرى، الإسراع في إصدار السندات، معتبراً أن تأخر الإصدار لا يعدو كونه دراسة أكبر لوضع السوق الحالية. ولفت ملاح إلى أنه منذ إعلان الكويت عزمها إصدار السندات، يتحمل اقتصادها تكلفة لا يمكن قياسها، إذ أن عدم الشروع في الإصدار يحدث «بلبلة» نوعاً ما في السوق. ونصح ملاح الدول الخليجية في مقابلة مع «الراي»، بعدم انتظار أي تغيير كبير على سعر الفائدة الأميركية، التي لن تتغير سوى بنحو ربع أو نصف نقطة، لافتاً في هذا السياق إلى أن تحسّن أسعار النفط هو الحل الأمثل لدول المنطقة لتعبر أزمة العجز في ميزانياتها. وأوضح أن الوضع في الكويت والسعودية يتيح أمامهما 3 طرق لمعالجة أزمة العجوزات، وهي التوجه نحو الاحتياطيات واستخدامها لسد العجز، أو التخفيف من المصروفات وترشيد الإنفاق، أو الاستدانة بطرق عدة مختلفة، مشدداً على أن مهمة الكويت في إصدار السندات ستكون «سهلة»، لاسيما وأن التحديات التي ستواجهها ليست بصعوبة التحديات أمام المملكة. وهنا نص المقابلة: ● كيف تنظرون إلى الإصدارات المرتقبة للسندات الخليجية؟ - كل دول الخليج تعتزم إصدار سندات، وبعضها بدأ بالفعل بهذه الخطوة، وبحكم سعر النفط في الوقت الراهن، وتوافر موجودات وأصول ممتازة لدى تلك الدول، فإن الوقت الحالي يبدو مناسباً للاستدانة بدعم المصدّات المالية والأصول القوية الموجودة لديها. ● ما سبب تأخير إصدار السندات في بعض دول المنطقة؟ - لا شك في أن انتظار تغيير معدلات الفائدة الأميركية يشكل سبباً رئيسياً للانتظار، ونؤكد هنا من خلال متابعتنا ودراستنا للمعطيات، بأنه لا داعي لانتظار التغيير في معدلات الفائدة الأميركية، فظروف السوق لن تتغير خلال 3 أو 6 أشهر بالصورة الجذرية التي تثير تخوفات البعض، أو بما قد يصنع الفرصة المغرية التي تستحق الانتظار، فـ «الفيديرالي» إن تحرك سيكون بمقدار ربع نقطة أو نصف نقطة فقط، وليس 5 نقاط، ما يعني أن معدلات الفائدة المتوقع ارتفاعها حتى نهاية العام، لن تترك تغييرا جذرياً على تكلفة إصدار السندات. ● ما العوامل المؤثرة على اتخاذ القرار؟ - هناك 4 عوامل مؤثرة على اتخاذ القرار الاقتصادي في الوقت الراهن وتتمثل في الانتخابات الأميركية، وزيادة معدلات الفائدة، وتبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أسعار النفط. ويعد عامل أسعار النفط الحل الأمثل لدول الخليج، الذي قد يجعلها تبتعد عن فكرة الدخول في أسواق الدين، إذا استطاعت أن تتوصل الدول داخل وخارج «أوبك» لاتفاق واضح في شأن معدلات إنتاج النفط، ما يترك أثراً إيجابياً على الأسعار، فعندها ستتحسن موازناتها بشكل أو بآخر، وفق رؤية مستقبلية واضحة لتطورات الأسعار. ● هل يؤثر تأخر الكويت عن إصدار السندات على وضعها الاقتصادي؟ - إعلان قرار الدخول في أسواق الدين ونية إصدار السندات خطوة جيدة ومستحقة، ولكن التأخر في تنفيذها وترك باب التكهنات مفتوحاً دون الإصدار الفعلي أو إعلان التراجع عن القرار أمر له تكلفته الكبيرة على الاقتصاد الوطني، وقد تتحمل تلك التكلفة الشركات العاملة في السوق المحلي. فإذا حاول المستثمرون تسعير سند شركة خاصة، فهم يستندون إلى سعر السند الحكومي ، إذ تعتمده الشركات كأساس قياس وتسعير، ما يزيد من فعالية سنداتها، إذ يؤخذ في الحسبان حال تقييمها تصنيف الدولة بدلاً من تقييم سندات الشركة وحدها في المطلق،وهو ما يعني أن تأخر الكويت في إصدار سنداتها يقلل قدرة الشركات المحلية على دخول سوق الدين. ● برأيكم، هل يوحي تأخر السعودية والكويت بنوع من التراجع عن الإصدار؟ - أعتقد أن الأمر لا يعدو كونه دراسة أكبر للسوق تبين حجم ما يريدون الاستدانة به وتكلفته، إذ يجب الأخذ في الاعتبار أن التجربة سيكون لها تبعاتها، والخروج من دائرة الدين صعبة ومكلفة، فمن الطبيعي أن تجهز الدول أنفسها بصورة دقيقة قبل الدخول في سوق الدين. فالتأخر في إصدار السندات من الكويت والسعودية، قد يكون نوعاً من التردد أو إعادة الدراسة، خصوصاً وأن الوضع في البلدين يتيح أمامهما 3 طرق لمعالجة أزمة العجوزات في ميزانيتها، هي التوجه نحو الاحتياطيات واستخدامها لسد العجز، أو التخفيف من المصروفات وترشيد الإنفاق، لتكون معادلة لإيرادات الدولة، أو الاستدانة بطرقها المختلفة. ويسهل توافر الاحتياطي العام لتلك الدول خصوصاً الكويت، الاستدانة من الخارج، فالدولة لديها مدخراتها وتتداين لسد العجز نظراً لأنه خيار سهل، ولكن في الوقت نفسه، لابدّ أن يكون مدروسا نظراً لأن هناك حجما معينا للاستدانة، وبعدها تصبح دائرة الدين أكثر كلفة وتمثل عبئاً على مصدر السندات. وأعتقد أن الحل الجيد لدول الخليج هو التوازن في التعامل مع الحلول المتاحة، فجزء منها يكون بالتوازن بين المصروفات والإيرادات، والجزء الآخر يكون من خلال الدخول إلى سوق الدين. ● هل تملك الكويت والسعودية خيارات أفضل من السندات؟ - الحل البديل الأسهل والأمثل والذي ينهي الأزمة برمتها، هو مائدة مفاوضات النفط، وما يسفر عنها من تحسن أوضاع المنتجين، برفع السعر مرة أخرى، ومن دون الوصول إلى الاتفاق الواقعي الذي ينقذ أوضاع سوق النفط، سيصبح الدخول إلى أسواق الدين وإصدار السندات أمراً حتمياً بالنسبة للكويت والسعودية خلال الفترة المقبلة. ● ما معنى لجوء الكويت إلى السندات في ظل توافر خيارات أخرى؟ - اللجوء إلى السندات يعني أن تكلفتها أقل على الدولة، وأن المردود على استثمارات الدولة وأصولها المقترح تسييلها أعلى من تكلفة الاستدانة، ما يعني أنها خيار أفضل. بالإضافة إلى أن الكويت منذ عقود كانت لديها الحكمة والذكاء، لتطور صندوق سيادي للأجيال القادمة مع احتياطي عام، لتأمين مستقبل الدولة ما بعد البترول، فليس من المفترض الاقتراب من الاحتياطيات، خصوصاً أن الهبوط في أسعار النفط حالياً هو جزء من التوقعات الكويتية، ما يتطلب وجود حلول ابتكارية تضمن استمرار الاحتياطيات والخروج من الأزمة، ومن بينها اللجوء إلى إصدار سندات الدين في الفترة المقبلة. ● كيف يمكن ظهور تكلفة لإصدار السندات قبل إقرارها؟ - لابدّ من الإشارة إلى أن الحديث وإعلان النية عن إصدار السندات، دون تقدم ملموس في ذلك الشأن، أو البت بعدم الإصدار، وإن كانت تلك الفترة للدراسة أكثر أو انتظارا لفرصة أفضل، لن يأخذها السوق بطريقة إيجابية، بل يفتح المجال أمام التكهنات. وللتكهنات الاقتصادية تكلفتها نظراً لتأثيرها على الكثير من القرارات، فالتريث قد يضيع فرصة، واتخاذ قرار آخر قد يكون له تكلفته العالية أو المنخفضة، بما يضر بمصالح الكثيرين، ومن هنا لا يمكن قياس تلك التكلفة بشكل دقيق. ومنذ إعلان الكويت نيتها إصدار السندات، يتحمل اقتصادها تكلفة لا يمكن قياسها، ويمكن أن تكون عالية جداً وحقيقية قياساً إلى فرص كانت متاحة وتم تأجيل البت فيها، وستستمر تلك التكلفة قائمة لحين الشروع في تنفيذ العملية. ما يعني أن التحدث عن إصدار السندات يعد مكلفاً، ما لم تكن هناك إجراءات وخطوات فعلية تم اتخاذها على أرض الواقع، خصوصا أن التحدث عن الامر وعدم الشروع فيه يصنع «بلبلة» نوعاً ما في السوق وبين أوساط المستثمرين. ● ما الحجم المتوقع للإصدارات الخليجية من السندات خلال الفترة المقبلة؟ وهل تتوافر سيولة لتغطيتها؟ - سرية تعامل الحكومات مع قضية تمويل عجز ميزانيتها وآلية تمويلها، لا تعطي رقماً محددا بدقة، ونظراً لاختلاف المعطيات المؤثرة في الإصدار من دولة لأخرى، لا يمكن توقع الأمر بدقة أيضاً، إلا أنه يجب النظر إلى حجم السوق العالمي. فحجم أسواق الدين يبلغ نحو 11 تريليون دولار، وببعض التقريب لن يتعدى حجم السندات في المنطقة 200 مليار دولار، ما يعني أن تفتيش المستثمرين وطلبهم على سندات الأسواق النامية، يضمن وجود طلب على السندات الخليجية كأحد تلك الأسواق. ● كيف تنظر إلى إمكانية حدوث تخمة في معروض السندات الخليجية؟ - لن تحدث تخمة في المعروض من السندات الخليجية، بما يؤثر على مستوى الطلب عليها، وذلك لأن السندات الخليجية لن تصدر بإجمالي المبلغ المطلوب دفعة واحدة، وإنما سيتم إصدارها بنظام الشرائح. وعلى الكويت والسعودية أن يقطعا حبل التكهنات، وأن يشرعا في استكشاف السوق من خلال إصدار السندات بنظام الشرائح، عبر طرح أولي بقيمة معينة تختبران من خلالها السوق، بما يعطي إشارة عن طريقة تعامل المستثمرين معها، ومستوى الإقبال عليها وتسعيره لها، ما يعد عاملاً مساعداً ومؤشرا يحدد طريقة التعامل مع بقية الشرائح. ونؤكد أنه على المستوى الاقتصادي، فقد أصبح إصدار السندات ضرورياً في الوقت الحالي، أكثر من أي وقت مضى. وبالنسبة للأرقام المتاحة لدينا، وبما تم الإعلان عنه، فمازلنا بعيدين جداً عن «التخمة»، كما أنه في حال الإصدار من السعودية والكويت ستظل المنطقة بعيدا عن التخمة، إذ إن الإصدارات لا تتم بشكل كامل بل على مراحل، ما ينفي التخوفات من ذلك الأمر. ● هل يمثل تراجع أسعار النفط عائقا أمام السندات الكويتية والخليجية؟ - ستلاقي السندات الكويتية والخليجية قبولاً بشكل عام في الأسواق، وسيكون أول الساعين للاكتتاب فيها المستثمرين المحليين من القطاع الخاص وحتى في القطاعات الحكومية، ما سيعطي معدلات فائدة أفضل للمستثمرين. كما أن تراجع التصنيفات يعطي المستثمرين أريحية أفضل في معدلات الفائدة، وفي الكويت التي تتمتع بمصدر إيراد واحد يسيطر على أكثر من 90 في المئة من دخلها، هناك نوع من المخاطرة لدى المستثمرين لكن الفيصل لديهم سيكون سعر الفائدة على السندات. ونشير في هذا الصدد إلى أن السوق يسعر الفائدة، ويراعي وضع الدولة، فلو تعددت مصادر دخلها يكون معدل الفائدة للمستثمرين أقل بكثير. وكون الكويت دولة ذات مصدر إيراد واحد، فهذا الأمر سيرفع سعر الفائدة عندها، وستكون تكلفته على حجم الدين أكبر، إلا أنه سيزيد من إقبال المستثمرين على السندات، بينما سيخفف وجود المصدات المالية الكويتية مثل الاحتياطي العام من وطأة الأمر، وسيساهم بصورة جيدة في تقليل معدلات الفائدة. وتمثل ضخامة الاحتياطي العام لدى الكويت ضمانة لدى المستثمرين من ناحية، والدولة من ناحية أخرى، بحيث تستطيع من خلاله تقليل سعر الفائدة، ونشير هنا إلى أنه نادراً ما نجد دولة مثل الكويت لديها احتياطيات وتدخل سوق الدين، ما يعد نوعاً من الذكاء الاقتصادي، خصوصاً إذا كانت تكلفة الاستدانة أرخص. ● هل هناك مخاطر من عدم سداد السندات الخليجية؟ وما تأثيرها على سعر الفائدة؟ - المخاطر موجودة دائماً ويتم أخذها في الحسبان عند التسعير في أي عملية استدانة، ولكن احتمالات تأثيرها على سعر الفائدة ضئيلة جداً، وترجع إلى مدى تغيّر الاحتياطيات العامة مقارنة بحجم الدين. ونؤكد أن حجم الاستدانة الأصغر بكثير من حجم الاحتياطي العام للدولة، يعني أنه لا توجد مخاطر لعدم السداد مثلما يحدث مع الكويت، والتي لن تواجه أي تأثير في معدلات الفائدة، أو تكلفة الاستدانة. ● ما محددات الإقبال على سندات دولة خليجية دون الأخرى؟ - إن الإقبال على سندات الدول يعتمد على معايير عديدة، وأبرزها، معرفة مدى تحقيق الرؤية الاقتصادية الخاصة بكل دولة، ومستوى وقدرة تحقيق الدولة لرؤيتها، ومقارنة حجم العجز بإجمالي الميزانية لكل دولة، ومقارنة حجم العجز إلى الاحتياطي العام، ومقارنة حجم الاحتياطي العام وحجم العجز مقارنة بعدد مواطني الدولة. ● برأيكم، كيف تضمن الكويت تسجيل إصدار نجاح لسنداتها؟ - عند إصدار السند وتحديد الدولة لمعدل الفائدة، يأتي المستثمر ويحدد سعراً مناسباً لها، لتبدأ حينها قصة العرض والطلب، ويدخل دور البنوك مديري الاصدار والتي يجب أن تتمتع بصورة واقعية للسوق ومعدلات الاقبال. ما سبق يعني أن نجاح الإصدار لا يقاس بسعر الفائدة فقط، بل يمتد لمدى تأثير سعر الفائدة في الوصول إلى الاكتتاب الكامل في السندات، وتحقيق الفائدة للطرفين بتكلفة مناسبة على المصدر، وفائدة مناسبة للمكتتب. وإذا اصبح الاكتتاب بصورة كبيرة لأضعاف المعروض، سيعرف المصدر حينها انه أصدر بسعر غال، بينما في حال كان الاكتتاب قليلاً فسيعرف البائع أنه عرض بأقل من المطلوب، وهنا يتطلب من الكويت مراعاة تحديد سعر الفائدة المناسب على سنداتها، إذ ان تكلفة الدخول إلى السوق والخروج منه دون إتمام الاكتتاب بالكامل، تمثل تكلفة معنوية تصعب عمليات الدخول إلى السوق والتسعير في الإصدارات المقبلة. ● هل يمكن أن يختلف الطلب على سندات الكويت عن نظيرتها في السعودية؟ - بالطبع سيكون الأمر كذلك لاختلاف المعطيات الاقتصادية لكل دولة، والتحديات التي يواجهها كل اقتصاد على حدة، فالتحديات التي ستواجهها الكويت ليست بصعوبة التحديات التي ستواجهها السعودية. ونحن نؤكد أن كثرة التحديات تقلل من الإقبال على سندات الدولة، ونرى أن الإقبال سيكون أكبر على السندات الكويتية إجمالاً، نظرا لأن العجز في موازنتها أقل من ذلك المسجل في الموازنة السعودية. ندير أصولاً بـ 280 ملياراً أشار ملاح إلى «أننا في إدارة الأصول لدى بنك مونتريال ندير أصولاً بنحو 280 مليار دولار، منها نحو 120 مليار دولار في السندات العالمية، كما نشير إلى أن جزءاً من السندات مخصص لمحافظ الأسواق النامية، والتي تعد منطقة الخليج جزءاً منها».
مشاركة :