قبل ساعات من لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الرئيس الأميركي باراك أوباما في في البيت الأبيض مساء أمس، ردّ رئيس نتانياهو على تحذيرات اوباما من «تداعيات» فشل محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين على الدولة العبرية، محملاً الفلسطينيين مسؤولية عدم تقدم المفاوضات. وفي الوقت نفسه تلقى نتانياهو من شركائه في الداخل رسائل متناقضة: فاليمين المتشدد دعاه إلى صد الضغوط الأميركية فيما ناشده الوسط واليسار دفع العملية السياسية «التي تضمن إسرائيل دولة يهودية». وفي قمة رئاسية هي الأولى بين اوباما ونتانياهو هذا العام، دخل الرئيس الأميركي بقوة على خط عملية السلام، مستخدماً موقعه وأوراق واشنطن السياسية والدفاعية للضغط على رئيس الوزراء الاسرائيلي للوصول الى «اتفاق اطار» بينه وبين السلطة الفلسطينية خلال شهرين. وعقد نتانياهو محادثات مطولة أمس في العاصمة الأميركية شملت أوباما ووزير الخارجية جون كيري ونائب الرئيس جوزيف بايدن وقيادات الكونغرس. وخلافاً لتوقعات إسرائيلية مسبقة، سربتها أوساط نتانياهو لوسائل الإعلام العبرية قبل يومين بأن الرئيس الأميركي المنهمك في ملف اوكرانيا لن يمارس ضغوطاً على نتانياهو، فوجئ الأخير بتصريحات أدلى بها الرئيس الأميركي لمجموعة «بلومبرغ» الاعلامية تضمن تحذيراً من أن «الوقت المتوافر لدى إسرائيل لتحقيق السلام آخذ بالنفاد»، فاعتبرها اليمين الإسرائيلي المتشدد تدخلاً مرفوضاً. ودخل أوباما على خط عملية السلام للمرة الأولى منذ اعلان كيري البدء بالمفاوضات العام الفائت، ومع اقتراب انتهاء فترة الجهود للوصول الى اتفاق نهاية نيسان (أبريل) المقبل. وناشد الرئيس الأميركي ضيفه الموافقة على «اتفاق اطار» يسعى جون كيري للتوصل إليه قبل انتهاء الموعد الأقصى للمفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية، أواخر هذا الشهر. وأضاف: «عندما أتحدث الى نتانياهو فهذا ما سأقول له: إن لم يكن الآن فمتى؟ وإن لم يكن أنت (الذي يوقع اتفاقاً) فمن يكون؟ كيف سيحل ذلك؟»، وتساءل ما اذا كانت اسرائيل تنوي “احتلال الضفة الغربية بشكل دائم” قبل أن يحذر من أن «النافذة تغلق أمام اتفاقية سلام يمكن أن تحظى بموافقة الاسرائيليين والفلسطينيين على السواء»، داعياً نتانياهو إلى «انتهاز اللحظة الحالية» للمساعدة في تحقيق «اتفاق اطار» يحاول الوزير كيري التوصل إليه. ووجّه أوباما تحذيراً واضحاً من أنه اذا وصل الفلسطينيون الى الاستنتاج بأن إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً وذات سيادة الى جانب اسرائيل لم تعد في متناولهم «ومضت إسرائيل قدماً في توسيع المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، عندئذ ستكون قدرتنا على إدارة التبعات الدولية محدودة»، في إشارة إلى احتمال تعرض إسرائيل إلى مقاطعة اوروبية أو احتمال لجوء الفلسطينيين إلى المحكمة الدولية الجنائية لمقاضاة إسرائيل على الاستيطان الذي يعرفه القانون الدولي بـ «جريمة حرب». وانتقد اوباما مشاريع البناء في المستوطنات «التي ازدادت كثيراً في السنوات الماضية». وقال إنه لم يُعرض عليه بعدُ سيناريو يمكّن إسرائيل من حماية طابعها اليهودي الديموقراطي بغياب حل الدولتين ومن دون تحقيق السلام مع جيرانها، ورأى وجوب طرح نتانياهو حلاً بديلاً «إذا لم يكن مقتنعاً بأن السلام مع الفلسطينيين هو الأمر الصائب بالنسبة لإسرائيل». وأكد أوباما أنه يتحتم على نتانياهو «اغتنام الفرصة السانحة حالياً» موضحاً أن الوضع لن يتحسن من تلقاء نفسه، إذ إن عدد الفلسطينيين والعرب الاسرائيليين سيزداد مع مرور الوقت. وأشار إلى أن عزلة إسرائيل في الحلبة الدولية قد ازدادت، بحيث باتت الولايات المتحدة مضطرة للوقوف الى جانبها في مجلس الامن الدولي بشكل لم يسبق له مثيل في الماضي. وأبلغت مصادر ديبلوماسية في واشنطن «الحياة» أن الجانب الأميركي يستخدم أوراق ضغط سياسية واقليمية على اسرائيل ترتبط بالملف الايراني، فيما يستخدم أوراقاً اقتصادية للضغط على الجانب الفلسطيني. يذكر ان أوباما سيلتقي في ١٧ الجاري الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي وصفه بأنه «أكثر القيادات اعتدالاً في الساحة الفلسطينية». وقبل مغادرته اسرائيل مساء أول من أمس قال نتانياهو: «في السنوات الأخيرة خضعت دولة اسرائيل لعدة ضغوط رفضناها في ظل عواصف إقليمية منقطعة النظير ما سمح لها بالحفاظ على الاستقرار والأمن. هذا ما قمنا به في السابق وهذا ما سنقوم به في المستقبل»، ملمحاً إلى أن الملف الايراني سيكون هو، لا الملف الفلسطيني، في صلب محادثاته مع الرئيس ألأميركي، معرباً عن قلقه ازاء ما آلت اليه المحادثات بين القوى العظمى وايران بعد التوصل الى اتفاق مرحلي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي حول البرنامج النووي للجمهورية الاسلامية. ومع وصوله إلى واشنطن صباح أمس رد نتانياهو على تصريحات الرئيس الأميركي بالقول إن إسرائيل معنية بـ»تسوية جيدة»، وان «رقصة التانغو في الشرق الأوسط بحاجة إلى ثلاثة أشخاص على الأقل، اثنان متوافران، إسرائيل والولايات المتحدة والآن يجب أن نرى ما إذا كان الفلسطينيون موجودين»، في تكرار لاتهامهم بالتصلب في مواقفهم. وأضاف: «في كل ألأحوال، وكي نحقق اتفاقاً، يجب أن نحمي مصالحنا الحيوية». ولم ترق تصريحات نتانياهو لوزراء اليمين في الحكومة، فرد عليها زعيم حزب المستوطنين «البيت اليهودي» وزير الاقتصاد والتجارة نفتالي بينت بالقول إنه «يحظر على إسرائيل أن تقوم بأي عمل يمس أمنها»، مضيفاً أن إسرائيل هي التي تعرف بنفسها مصلحتها وكيف تدافع عنها، «وقد أظهرت أحداث الأيام ألأخيرة حقيقة أنه عند لحظة الحقيقة لن يأتي العالم لمساعدتنا عندما نحتاجه». وتابع أنه لا يتفق مع الرئيس اوباما في أن الوقت آخذ في النفاد، «ونرجو أن يكفوا عن تخويفنا. فمع من نوقع على اتفاق؟ مع أبو مازن»؟ أما وزير الشؤون الاستراتيجية القريب من نتانياهو يوفال شتاينتس فقال ان كل التصريحات لم تعجبه، «ولا أعتقد أن هناك أي سبب يدعو للضغط على إسرائيل». وتابع في حديث للإذاعة العسكرية أن نتانياهو سيعطي إجابة واضحة بأننا مستعدون للدفع قدماً نحو تسوية سياسية لكننا وبحق نقلق على أمننا القومي»، مشيراً الى ان «إسرائيل مهتمة على الدوام بمصالحها القومية الرئيسية». وقال نائب الوزير في مكتب رئيس الحكومة اوفير أكونيس إن الإدارة الأميركية «تحاول مرة أخرى ممارسة ضغوط على العنوان غير الصحيح»، مضيفاً أنه لا يجب إقناع إسرائيل بالرغبة بالسلام، «لأن هذه الرغبة قائمة، الآن يجب ممارسة ضغط على رافضي السلام الدائمين منذ أكثر من مئة عام، وهم الفلسطينيون، ويجدر بهم أن يشرعوا في الأمر الأساسي، وهو الاعتراف بدولة إسرائيل». من جهته قال زعيم الحزب الوسطي العلماني «يش عتيد» الشريك الأبرز لنتانياهو في حكومته وزير المال يئير لبيد إن حزبه يوفر كل الدعم الحزبي والسياسي لنتانياهو للتوصل إلى اتفاق سياسي مع الفلسطينيين. وقال في لقائه أعضاء حزبه في الكنيست إنه لا ينبغي أن يقلق نتانياهو من «أربعة أو خمسة نواب مارقين في الائتلاف الحكومي، ونحن نقول له إن جميع وزراء ونواب حزبنا (19) وراءك». ورأى أن «الهدف من المحادثات مع الفلسطينيين هو تحقيق تسوية سياسية تضمن وجود إسرائيل دولةً يهودية». وكان زعيم المعارضة البرلمانية زعيم حزب «العمل» النائب اسحاق هرتسوغ دعا نتانياهو إلى اتخاذ «خطوات جريئة» قائلاً إن إسرائيل دخلت مرحلة القرارات الحاسمة. وأكد «الترابط الوثيق بين أمن إسرائيل والاتفاقيات السياسية والعلاقات الوطيدة مع الولايات المتحدة». باراك اوبامانتانياهو
مشاركة :