أكدت تقارير صحافية إسرائيلية متطابقة، أنه خلافاً للترويج الإسرائيلي بأن الفلسطينيين فجروا المحادثات التي رعتها الولايات المتحدة مع الفلسطينيين لتمديد فترة المفاوضات عاماً آخر، فإن واشنطن تحمّل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية الفشل، وتحديداً بسبب إصرارها على مواصلة البناء في المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفضها التجاوب مع أي من المطالب الفلسطينية. وذكرت صحيفة «هآرتس» أن التقارير التي تلقتها إسرائيل من واشنطن تدحض الرواية الإسرائيلية التي روّج لها الإعلام العبري، بأن الرئيس محمود عباس «أبو مازن» هو الذي قوض المفاوضات، مضيفة أن «التقارير الموثوقة» التي تلقتها تل أبيب تشير إلى أن الغضب الأميركي موجَّه بالذات إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو «الذي حشر الرئيس الفلسطيني في الزاوية برفضه عرض تصوره للحل، وإصراره على البدء من نقطة الصفر». وتابعت أن واشنطن استهجنت مطلب نتانياهو بأن يعلن «أبو مازن» اعترافه بإسرائيل دولة يهودية، و «هو مطلب لم تطرحه إسرائيل من قبل على أي زعيم عربي آخر فاوضته». وتابعت أن «نتانياهو لم يبدِ أي مرونة، خصوصاً في قضيتي الصراع الجوهريتين: القدس واللاجئين، وأراد مجرد عملية (تفاوضية)». من جهته، نشر المعلق السياسي الأبرز في «يديعوت أحرونوت» ناحوم بارنياع نص حديث خاص مطول أجراه مع موظفين أميركيين كبار طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، وكانوا ضالعين في تفاصيل المفاوضات في شأن مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لوضع «اتفاق إطار»، لخّصه في هذه الأسطر: «ممنوع أن يتهرب الإسرائيليون من الحقيقة المرّة بأن التخريب الرئيس على المفاوضات كان الاستيطان، وأنه كي يتم استئناف المفاوضات ثمة حاجة كما يبدو إلى انتفاضة ثالثة ... أنتم شعب ذكي، ومن المفترض أن تدركوا أن العالم لن يتحمل الاحتلال الإسرائيلي، ازدهار إسرائيل متعلق بنظرة المجتمع الدولي إليها ... لقد سئم الفلسطينيون الوضع، وسينالون في النهاية دولتهم». وأشار بارنياع في بداية تقريره إلى أن الأميركيين رسموا على الحاسوب حدوداً داخل الضفة الغربية تنقل للسيادة الإسرائيلية 80 في المئة من المستوطنين الذين يقبعون هناك (مع الأراضي المقيمين عليها)، على أن يتم إجلاء البقية. كما رسموا حدود القدس واعتمدوا «صيغة (الرئيس الأميركي السابق بيل) كلينتون» بحيث تكون الأحياء اليهودية لليهود، والعربية للفلسطينيين، «لكن حكومة إسرائيل لم ترد على هذا الترسيم وتفادت ترسيم حدود». وأكد المعلق أنه سمع انتقاداً شديداً من الموظفين الأميركيين للحكومة الإسرائيلية، «لكنه انتقاد من محِب لدولة غالية على قلوبهم». وأقر محدثوه أن واشنطن وافقت على استئناف المفاوضات قبل نحو عام من دون اشتراط وقف الاستيطان نظراً إلى التشكيلة اليمينية للحكومة، «لكننا لم ندرك أن نتانياهو استغل خطط البناء في المستوطنات لضمان ديمومة حكومته... ولم ندرك أن مواصلة الاستيطان أتاح لوزراء نتانياهو التخريب على المفاوضات». وأضافوا: «يجب على الإسرائيليين ألا يتهربوا من حقيقة أن الاستيطان كان السبب الرئيس في عرقلة المفاوضات». واشاروا إلى أن الفلسطينيين لا يؤمنون حقاً بأن إسرائيل تنوي أن تتيح لهم إقامة دولتهم في وقت تقوم هي بالبناء في الأراضي المفترض أن تقوم فيها هذه الدولة: «نحن نتحدث عن ما لا يقل عن 14 ألف وحدة سكنية، والآن فقط بعد تفجر المفاوضات، فهمنا أن الحديث هو عن مصادرة أراض بحجم كبير، وهذا لا ينسجم مع الاتفاق». وتابعوا أن «أبو مازن» طالب في أيام المفاوضات الأخيرة بتجميد البناء لثلاثة أشهر، مفترضاً أنه في حال التوصل إلى اتفاق خلال هذه الفترة «يمكن إسرائيل أن تبني كما تشتهي، لكن الإسرائيليون رفضوا ذلك». لامبالاة الإسرائيليين وأكد الموظفون أن الرئيس باراك أوباما دعم بالكامل جهود وزير خارجيته وكان مستعداً للنظر في الإفراج عن الجاسوس الأميركي اليهودي جوناثان بولارد على رغم الغضب المتوقع للمؤسسة الأمنية الأميركية عليه. وأقر الموظفون بأنهم فوجئوا من «لامبالاة الشارع الإسرائيلي بالمفاوضات»، كما فوجئوا من تصريح وزير الدفاع موشيه يعالون بأن هدف كيري هو الحصول على جائزة «نوبل»، و «كانت هذه إهانة قاسية جداً لأننا نقوم بذلك من أجلكم ومن أجل الفلسطينيين، أيضاً لمصلحة أميركية». وقدم الموظفون مثالاً على لامبالاة إسرائيل بالفلسطينيين وقضيتهم بالإشارة إلى أنه مع انتهاء الانتفاضة الثانية تم بناء الجدار الفاصل، تحوّل الفلسطينيون بنظر الإسرائيليين إلى «مجرد أشباح ولم يعد (الإسرائيليون) يرونهم بعد ذلك. وأضافوا ناصحين: «على إسرائيل أن تقرأ الخريطة جيداً... في القرن الـ21 لن يستمر العالم في تحمل الاحتلال الإسرائيلي الذي يهدد مكانة إسرائيل في العالم ويهددها كدولة يهودية». تعنت نتانياهو وأشاروا إلى الجهود الخاصة التي بذلها كيري لينشئ علاقات صداقة متينة مع نتانياهو علها تساعد في إقناعه بتليين مواقفه، وأنهما التقيا نحو 70 مرة، «وعندما ركزنا جهودنا من أجل تليين الجانب الإسرائيلي، جاءت الإعلانات عن خطط بناء جديدة في المستوطنات لتكبّل قدرة أبو مازن على إظهار ليونة، ففقَد ثقته... ووصلت الأمور أوجها عندما قال نتانياهو إن أبو مازن وافق على صفقة الأسرى في مقابل البناء في المستوطنات، وهذا مجافٍ للحقيقة... لقد دخل أبو مازن المفاوضات متشككاً، فاتفاق أوسلو كان من صنع يديه، وشاهد كيف فتح هذا الاتفاق الباب أمام استيطان 400 ألف إسرائيلي خلف الخط الأخضر، وهو لم يكن قادراً على تحمل ذلك أكثر». وأشار المتحدثون إلى «أمور أخرى» عرقلت المفاوضات، «إذ طرحت إسرائيل مطالبها الأمنية بأن تكون لديها سيطرة أمنية مطلقة على الأرض (الفلسطينية)، وهذا يعني للفلسطينيين إنه لن يتغير شيء من الناحية الأمنية، وإسرائيل لم تبد استعداداً للموافقة على جدول زمني، أي أن تستمر سيطرتها إلى الأبد... وعليه، توصل أبو مازن إلى استنتاج بأنه لن يحصل على أي شيء، وهو في التاسعة والسبعين من عمره... إنه متعب، كان مستعداً لمنح عملية السلام فرصة أخيرة، لكنه أيقن -كما قال- أنه لا يوجد شريك للسلام في الجانب الإسرائيلي، وأن إرثه لن يشمل اتفاق سلام مع إسرائيل». وأضافوا أن «أبو مازن» لم يتجاوب نتيجة الرفض الإسرائيلي مع مبادئ الحل التي طرحها عليه شفهياً الرئيس اوباما في لقائهما في آذار (مارس) الماضي، «وليس صحيحاً ما تقولونه من أنه تهرب من القرار... لم يهرب إنما رفض أن يتزحزح». تنازلات «أبو مازن» وفنّد الموظفون الأميركيون ادعاءات رئيسة الطاقم الإسرائيلي المفاوض تسيبي ليفني، بأن «أبو مازن» لم يتزحزح قيد أنملة خلال المفاوضات بينما أبدى نتانياهو ليونة، وقالوا: «صحيح أن نتانياهو تحرك... لكنه لم يتزحزح أكثر من بوصة (إنش) واحدة... وعندما حاولنا زحزحة أبو مازن لم ننجح، إذ قال إنه قدم تنازلات كثيرة لم يقدّرها الإسرائيليون... إذ وافق على دولة منزوعة السلاح، وعلى ترسيم الحدود بحيث يكون 80 في المئة من المستوطنين ضمن سيادة إسرائيل، ووافق على أن تواصل إسرائيل السيطرة على مناطق أمنية مثل غور الأردن لمدة خمس سنوات وبعدها تحل محلها الولايات المتحدة، ووافق أيضاً على أن تبقى الأحياء (المستوطنات) اليهودية في القدس الشرقية تحت السيادة الإسرائيلية، ووافق على أن تكون عودة لاجئين فلسطينيين إلى إسرائيل متعلقة برغبة حكومة إسرائيل، وتعهد عدم إغراق إسرائيل باللاجئين، مضيفاً: أعطوني زعيماً عربياً مستعداً ليوافق على ما وافقت عليه»، مؤكداً رفضه تقديم أي تنازلات أخرى حتى توافق إسرائيل على المطالب الفلسطينية، وهي رسم الحدود (يكون الموضوع الأول في المفاوضات)، والاتفاق على موعد إخلاء المستوطنين من مناطق سيادة الدولة الفلسطينية، وأن توافق إسرائيل على أن تكون القدس الشرقية عاصمة فلسطين، ولم يستجب الإسرائيليون لأي من الشروط الثلاثة». وعن رفض الجانب الفلسطيني الاعتراف بـ «الدولة اليهودية»، قال المتحدثون الأميركيون إن «الفلسطينيين توصلوا إلى الاستنتاج بأن الإسرائيليين «يقومون بخدعة نتنة مشتبهين بأن ثمة محاولة هنا لأن يصادق الفلسطينيون على الرواية التاريخية الصهيونية». واتهم الموظفون مبعوث نتانياهو الخاص إلى المفاوضات المحامي إسحق مولخو بالتآمر على ليفني «مرة تلو الأخرى، وفي كل مرة حاولت فيها التقدم، إذ عمل على لجمها». إسرائيلفلسطينالاستيطان
مشاركة :