تبنّى المطارنة الموارنة في لبنان «كل ما أعرب عنه البطريرك بشارة الراعي في عظة الأحد، في شأن التقيد بالدستور الذي تصاغ حول مبادئه، نصاً وروحاً، كل التفاهمات الرامية إلى الالتزام بهذه المبادئ الدستورية في انتخاب رئيس للجمهورية، من دون أن توضع عليه أية شروط مسبقة. فهو بكونه، وفق المادة 49 من الدستور رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور، والحفاظ على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه. ولكي يقوم بمهمته الوطنية العليا هذه، ينبغي أن يكون حراً من كل قيد، وعندئذ يكون «الرئيس الحكم»، لا «الطرف»، ولا «الرئيس الصوري». ووجه المطارنة بعد اجتماعهم الشهري في بكركي، برئاسة الراعي، نداء وفيه: «نظراً إلى الدرك الذي بلغته أوضاع الوطن وانطلاقاً من المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق البطريركية، والدور المنتظر منها كونها تجسد صوت الضمير، ولا تتصرف كفريق سياسي في وجه فرقاء آخرين، بل كمدافع متجرد عن كل الوطن، والشعب، والدولة، قرر الآباء رفع الصوت في وجه كل الشواذات المنتشرة في بلادنا، وإطلاق هذا النداء عله يوقظ ضمائر المسؤولين، فيرتفعوا إلى مستوى المسؤولية التي انتدبوا أنفسهم إليها باسم الشعب اللبناني». وأكد المطارنة أن «التقيد بالدستور يستلزم في الوقت ذاته التقيد بالميثاق الوطني، الذي هو روح الدستور، وبصيغته التطبيقية الميثاقية. فالميثاق الوطني، هو «شريعة اللبنانيين السياسية، باعتباره خلاصة تاريخ مشترك من تجربة التعايش المسيحي - الإسلامي، وتكريساً لثوابته الثلاث: الحرية، والمساواة في المشاركة، وحفظ التعددية، وهي ثوابت في أساس تكوين الدولة اللبنانية»، معتبرين أن «الميثاق لم يكن يوماً مجرد تسويات أو تفاهمات عابرة، يقبل بها اليوم ويراجع في شأنها غداً، أو يتم التراجع عنها في أوقات تضارب المصالح والخيارات». دور المجتمع المدني الضاغط وإذ رحبوا من «منطلق التقيد بالدستور والميثاق الوطني»، بالجهود والمشاورات المتعلقة بانتخاب رئيس، ثمنوا «النوايا الحسنة التي تعمل جاهدة للخروج بالبلاد من حال الفراغ في سدة الرئاسة الأولى». ولفتوا إلى أن «هذا التوجه ينسحب أيضاً على قانون الانتخاب العتيد الذي يريد منه اللبنانيون بجميع أطيافهم أن يكون قانوناً يطلق مساراً لتمثيل حقيقي مشبع من الميثاق والدستور، ويفسح لقوى جديدة وروح جديدة أن تصل إلى المجلس النيابي، فلا يكون قانوناً مفصلاً بإحكام ليعيد إنتاج ما هو قائم. وإذا لم يتمكن المشرعون من الوصول إلى هذا الهدف السامي والنبيل، فهذا يعني أن لبنان يتراجع عن الثقافة الديموقراطية التي طبعت تاريخه البرلماني، إلى نظام أشبه بأنظمة الحكم الأحادية التي طواها التاريخ استجابة لنداء الحرية والتعددية. وتشجّع الكنيسة جميع قوى المجتمع المدني للضغط بما أوتيت من قدرة لتحريك الرأي العام بالطرق الشرعية، في شأن مطلب محق». وثمّن المطارنة «الدور الكبير الذي يقوم به الجيش والقوى الأمنية في مكافحة الإرهاب والسهر على الأمن وحفظ الحدود، والروح الوطنية العامرة التي تعبق في تلك المؤسسات»، لافتين إلى أهمية «إبعاد هذه المؤسسات عن التجاذبات والصراعات السياسية». وأشاروا إلى أنه «بسبب الخلاف السياسي المستحكم، الذي أدى إلى الفراغ القاتل في سدة الرئاسة الأولى، وتعطيل عمل المجلس النيابي التشريعي، وشل قدرة الحكومة على اتخاذ القرارات الإجرائية، وانتشار الفوضى والرشوة في الإدارات العامة، كان التراجع الاقتصادي المخيف، يضاف إليه العبء الناتج من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين الذين يتجاوز عددهم نصف سكان لبنان، ولهيب المتغيرات التي تعصف بالمنطقة، والنمو المفقود، والبطالة المتفاقمة، وإقفال العديد من المؤسسات، وتراجع التصدير، وتقلص مداخيل الدولة مقابل ازدياد نفقاتها وعدد موظفيها وموجبات الأجور والرواتب، وتضخم الدين العام، والإهمال المزمن للقطاعات الحيوية، واستباحة المال العام، والتهافت على توزيع العقود والمغانم، وشبه غياب المراقبة والمساءلة، وتفاقم أزمة النفايات وسمومها المرضية، وفوضى الكسارات والمقالع والمصانع التي تشوّه البيئة وتلوث الهواء والأنهر والمياه الجوفية». مخاطر اقتصادية وأكدوا أن «الاقـــتـــصاد بكل قطاعاته، العمود الفقري للدولة، فمن واجب الجماعة السياسية والسلطة العامة أن تضع الخطة الناجعة للنهوض الاقتصادي، بالتعاون مع الهيئات الاقتصادية والمجتمع المدني والقطاعات الخاصة الإنتاجية، لتأمين العدالة والتضامن والتكافل، مع الحفاظ على قدرة الدولة ومرجعيتها، كونها المسؤولة عن تأمين نظام الحماية الاجتماعية». وسأل المطارنة: «كيف تسمح القوى السياسية لنفسها بأن تمعن في التعطيل الذي أنهك البلاد، وأوصل إلى تراجع كل المؤشرات الاقتصادية، على رغم تحذيرات المؤسسات المالية الدولية؟ وكيف تقوم بواجب إقرار سلسلة الرواتب والأجور فيما هدر المال العام يتعاظم، وعجز الموازنة يتفاقم نتيجة ارتفاع الدين العام؟ وهل تدرك الأخطار التي يحملها مشروع الموازنة العامة الجديد، بفرض عشرات الضرائب وزياداتها على المؤسسات الاقتصادية والشعب، خلافاً لكل قواعد الاقتصاد التي تقضي في الأزمات بتحفيز القطاع الخاص وخفض الأكلاف عن المنتجين للعودة إلى الاستثمار والنمو، وبإيجاد فرص عمل للمواطنين؟». لمصالحة وطنيةشاملة وشدّدوا على أن «لا بد من أن يلتزم الجميع مصالحة وطنية شاملة تطوي صفحة الماضي وتعيد الاعتبار إلى التسوية التاريخية التي جسدها اتفاق الطائف، والتي تقيم عيشنا المشترك على شروط الدولة الجامعة وليس على شروط فئة من اللبنانيين؛ ومصالحة تعيد الاعتبار إلى النموذج اللبناني في العيش معاً، بعيداً من سياسة هذه المحاور. هذا النموذج يكتسب أهمية استثنائية في منطقة يجتاحها عنف مجنون يهدد السلام في العالم. وينبغي تظهير فرادة التجربة اللبنانية من حيث شراكة المسيحيين والمسلمين في إدارة دولة واحدة، وشراكة السنة والشيعة في إدارة الدولة». وعبّر المطارنة عن «الألم العميق لتفاقم الوضع في سورية والوجه الدموي الذي يأخذه. فلا بد للضمير الدولي ولضمير الجهات المتقاتلة من وعي نتائج هذا الخيار المدمّر والشروع بحوار حقيقي لإحلال السلام وعودة جميع النازحين واللاجئين والمبعدين والمخطوفين إلى عائلاتهم وأوطانهم. وهذا يسري أيضاً على العراق وفلسطين وسواهما». ورأوا أن «هذا الشرق المتنوّع لا يحكم بالحديد والنار بل بالتعايش الحر والسلمي، وآن الأوان للعودة إلى لغة العقل وصوت الضمير». بري : بيان المطارنة لا يتعارض مع بنود الحوار أعرب رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن تأييده بيان المطارنة الموارنة بكل مندرجاته «الذي لا يتعارض مطلقاً مع بنود الحوار الوطني (ما سمي السلة)». واحتفاء بذلك وزع على النواب خلال لقاء الأربعاء سلة مليئة بكعك العباس. ونقل نواب عن بري اعتباره أن الكلام الذي تضمنه البيان يمثل كل اللبنانيين ويتكلم بلسانهم، وقال: «جميعنا يريد رئيس جمهورية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية وانتخابات نيابية في موعدها»، وأشار بري في هذا الإطار إلى أنه «أوعز إلى وزراء كتلة التنمية والتحرير، أن يطالبوا داخل مجلس الوزراء بتشكيل هيئة الرقابة على الانتخابات النيابية، حتى لا نصل إلى الاستحقاق من دون تشكيلها». وبعدما كرر بري ترحيبه وارتياحه للبيان، أكد أمام النواب أنه «لو أراد أن يتخذ موقفاً أو يرد على ما يقال في هذه الأيام، وعلى ما يحصل في هذه المرحلة، لكان التزم مضمون بيان المطارنة، لا بل أكثر من ذلك، لكان كتب هذا البيان»، مؤكداً أن «هذا البيان كان إيجابياً». وقال النواب إن «رئيس المجلس أبدى ارتياحه إلى كلام رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في المقابلة التلفزيونية بالأمس»، واصفاً هذا الكلام بـ «الهادئ والبناء». كما أثنى على ما ذكره في موضوع الوحدة الوطنية، فهو يقرب المسافات. وأشار النائب ياسين جابر إلى «أن لا مشكلة عميقة بيننا وبين العماد عون، لأنه في الأصل ليس خصماً»، قائلاً: «إن الأجواء تتجه نحو الأحسن». لكنه شدد على ضرورة «الاتفاق على الرئاسة والحكومة والثلث المعطل». وأوضحت مصادر بكركي أنه «طالما الرئيس بري يؤيد نداء المطارنة يعني أننا متفقون مــعه وأنه لا يضع شرطاً على الرئيــس وبالتالي سقط مفهوم سلة الشروط». وقالت «انشالله منوزع كعك ومعمول عند انتخاب الرئيس». العريضي: لا اتفاق نهائياً حتى الآن واستقبل بري عضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب غازي العريضي الذي قال: «الأبواب مفتوحة ولن تقفل في وجه التفاهم على انتخاب رئيس. ونقل عن بري احترامه بكركي وسيدها وارتياحه إلى بيان مجلس المطارنة، الذي يؤكد على المصالحة الوطنية الشاملة الضرورية. ونحن رواد هذا التوجه ولا نريد انقسامات وخلافات وتحديات وتشنجات. وما قيل على لسان الرئيس بري ينطلقً من موقعه كأبرز الحريصين على الصروح الروحية كما السياسية وعلى المؤسسات الدستورية وتفعيلها، انتخابا للرئيس». وأمل بأن يكون الغد يوم إنتاج للحكومة، واجتماع للمجلس النيابي لتشريع الضرورة». وعن تأييد عون للرئاسة قال: «المشاورات جارية. المعنيان الأساسيان أي الرئيس سعد الحريري والعماد عون أكدا ذلك، وربما في قضايا معينة حققت تقدماً ما لكن لا أحد يستطيع أن يقول إن ثمة اتفاقاً نهائياً، ولو حصل لنزلنا إلى المجلس وانتخبنا الرئيس». وأكد أن «بيان المطارنة ورد الرئيس بري لا يوحي بأي خلاف كبير أو توتر في العلاقة بين الرئيس بري بما يمثل على رأس الطائفة الشيعية الكريمة وبين الصرح الكبير وغبطة البطريرك بل أؤكد أنه لم ولن ينقطع التواصل بينهما». وفي شأن استعداد بري للدعوة إلى جلسة نيابية خلال العقد التشريعي العادي الذي يبدأ في منتصف الشهر الجاري، لفت عضو كتلة «القوات اللبنانية»، وعضو هيئة مكتب المجلس النائب أنطوان زهرا إلى أن «طرح هذا الأمر في هذا التوقيت ليس في مكانه، ذلك أنه يجب انتظار جلسة انتخاب اللجان، وهيئة مكتب المجلس التي يمكن أن تتغير، علماً أن ولايتها تنتهي في 18 الجاري»، وشدد على أن «موقفنا السياسي واضح: أي جدول أعمال لا يبدأ بقانون الانتخابات لا يبرر عقد جلسة تشريعية». وقال: «سنقاطع أي جلسة لا يندرج قانون الانتخاب على جدول أعمالها، ومتفقون مع التيار الوطني الحر على هذا الأمر». وسأل: «كيف يلتقي 100 نائب للتشريع ولا ينتخب 86 منهم رئيساً؟». موفد عون عند جعجع وغداة حديث عون التلفزيوني لمحطة «أو تي في» التي يملكها، أوفد أمين سر التكتل النائب إبراهيم كنعان للقاء رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على مدار ساعتين. وأوضح كنعان بعد الزيارة انها «كانت لتأكيد الرسائل الايجابية التي صدرت عن عون في كل الاتجاهات والتي تشدد مرة أخرى، سواء على الصعيد المسيحي أم الوطني، على أن التفاهمات التي نقوم بها تهدف الى بناء ثقة بين كل الأطراف توصلاً الى بناء دولة ومؤسسات قائمة على احترام الدستور والمعايير الديموقراطية التي نناضل من أجلها». وأشار الى أنه جرى تقويم «مبادرة الرئيس الحريري وكان هناك أكثر من تفاهم حول إيجابية هذه المبادرة وضرورة إعطائها كل الفرص لكي تنجح في تحقيق انتخاب رئيس جمهورية ميثاقي يجمع بين 14 و8 آذار ويبني الدولة في لبنان». وعلّق على نداء مجلس المطارنة في بكركي، فقال: «عظة البطريرك الراعي ونداء المطارنة يؤكدان أن التفاهمات السياسية يمكنها أن تحصل في أي وقت ولكنها ليست ممراً إلزامياً لانتخاب الرئيس كي لا تكبلنا نحن كأطراف سياسيين أو الرئيس العتيد، بأي أمر غير دستوري. فعندما يُقسم الرئيس يميناً على الدستور يصبح هو الضامن لاحترامه ويسعى بكل ما أوتي من قوة الى تحقيق الوفاق الوطني المنشود، وانطلاقاً من هنا لا يجب أن نُلزم انتخاب رئيس بأي شروط، كما ورد في نداء المطارنة». وأيد ما جاء في البيان لجهة إقرار قانون انتخابي جديد وعودة النازحين الى بلادهم، مشيراً الى أن البحث تطرق الى موضوع الجلسات التشريعية «التي يمكن أن تحصل وركزنا على قانون الانتخاب لا سيما بعد التمديد مرتين لهذا المجلس».
مشاركة :