تحقيق: سيد زكي رأى معماريون أن البناء العمودي حل أساسي، إن لم يكن الخيار الوحيد، لفك أزمة شح الأراضي ونقص المعروض منها، التي ربما تعانيها بعض المناطق في الدولة، والحفاظ على الأراضي للأجيال القادمة، فضلاً عن أنه حل نموذجي لتقليل النفقات التي تهدر على إنشاء شبكات البنى التحتية، التي تستنزف الكثير من موارد الدولة، وقد يسهم في تقليص قوائم الانتظار للحصول على الدعم السكني، لزيادة المعروض من الوحدات السكنية، وسرعة حصول المستحقين عليه بجودة عالية ومساحة مناسبة. أكد المعماريون أن العيش في منطق تتسع أفقياً، يضعف فيها احتمالية نجاح مشروع المواصلات العامة، ما يزيد من صعوبة التنقل لغير السائقين، أو ممن لا يريدون الاعتماد على سياراتهم، على عكس الذين يعيشون في مساكن عائلية متقاربة، قابلة للامتداد الرأسي. وقالوا إن الإسكان بمفهومه الشامل لا يعني بناء وحدات سكنية فقط، ولكن تدخل فيه قواعد ونظم كثيرة منها: توفير الأراضي، والتخطيط العمراني، وصناعة مواد البناء والتشييد، والأهم توفير التمويل المالي للمشروعات الإسكانية. وترتكز سياسة الإسكان في الدولة، على توفير السكن اللائق والمناسب للمواطنين والمقيمين، ولا تعنى هذه السياسة بتوفير المباني السكنية فحسب، إنما تتعداها إلى ضرورة توفير بيئة سكنية متكاملة الخدمات والمرافق من مواصلات واتصالات وتعليم وصحة وغيرها. بداية أكد الدكتور المهندس عبدالله بلحيف النعيمي، وزير تطوير البنية التحية، أن البناء العمودي يطرح نفسه بديلاً رئيسياً لمساحات الأراضي المحددة والمطلوبة للتوسع العمراني في بعض المناطق، ويعد الحل الأمثل إن لم يكن الوحيد لشح الأراضي التي تواجهها بعض مناطق الدولة، مشدداً على أن الامتداد الرأسي حل لا بد منه، لأنه يخفف من تكاليف البنية التحتية سواء كانت مد شبكات صرف صحي أو كهرباء ومياه واتصالات، وشبكات طرق. لتوضيح إيجابيات التمدد العمودي، أفاد النعيمي بأن علينا أن نقف على سلبيات التمدد الأفقي، التي تشمل التكلفة الباهظة والمرهقة لمد شبكات البنية التحتية، من طرق ومواصلات، وكهرباء ومياه، وصرف الصحي، واتصالات، مشدداً على أن إسكان المواطنين في فلل سكنية عائلية مميزة قابلة للامتداد الرأسي تمثل الحل النهائي. وقال: بدلاً من بناء المسكن على 30% من الأرض المخصصة و70% للحدائق، يكون البديل بناء الوحدات العمودية على 40% من مساحة قطعة الأرض، ويتم التقليل من المرافق المخصصة للفلا، على أن يوزع المتوافر من إجمالي الفلل لبناء مساكن جديدة عليها، وتنشأ مسطحات خضراء مشتركة لعدد محدد من الفلل. وأضاف أن كثيراً من المواطنين يمتعضون من الأراضي الصغيرة، ولكن علينا أن نفكر في مستقبل الأجيال القادمة. مشدداً على أهمية تثقيف المجتمع بأولوية المرحلة في الحفاظ على الأرض، مشيراً إلى أنه في الماضي كانت المجمعات السكنية تتميز بعمق التواصل الاجتماعي والترابط الأسري بين المواطنين، وهو ما تسعى إليه القيادة الحكيمة من خلال المشاريع الإسكانية. وأضاف أن الإسكان العمودي ينبغي أن يتوافق مع ثقافة المجتمع، من حيث التصميم الهندسي ومراعاة عادات المواطنين وتقاليدهم المتمثلة في حفظ الخصوصية التي تعد من أهم أسباب نجاح المشروع ودفعهم إلى تقبله، فضلاً عن مرونة البناء بحيث يكون قابلاً للتعديل والزيادة، ويعد فكرة جيدة لاستقطاب المواطنين. وأكد النعيمي أن التوجه الرأسي في المجمعات السكنية، يساعد على تحقيق الترابط والتقارب المجتمعي، ما يعزز من الحفاظ على الهوية الإماراتية، ويحقق اللحمة بين العائلات خاصة وبين المواطنين عموماً، لافتاً إلى أن ما نراه الآن من مرض التوحد وغيره، هو نتيجة انعزالية الأسر في بيوت متباعدة. التمدد الإسكاني بينت المهندسة أنوار الشمري، مديرة إدارة التصميم في وزارة تطوير البنية التحتية، أن التمدد الأفقي يستهلك مساحات واسعة جداً من الأراضي، ما يعني مد شبكات واسعة من البنية التحتية، فضلاً عن تلك الشبكات الواسعة للصرف الصحي والمياه، تلزم كل مسافة محددة بعمل محطات لرفع المياه ومياه الصرف الصحي، ما يضاعف تكلفة تنفيذ المشروع. وأكدت أن الإسكان العمودي سيسهم بشكل كبير في زيادة أعداد المستفيدين من المشاريع الإسكانية، عن طريق تقليل المساحات الخارجية للفلل، بحيث يمكن مضاعفة عدد المستفيدين من الخدمات ضمن مساحة الأرض نفسها، خلال المجمع السكني الواحد. ترابط الأسرة واتفقت معها المهندسة جميلة الفندي، المديرة العامة لبرنامج الشيخ زايد للإسكان، على أن مشاريع الإسكان العمودي هي الحل الأمثل والنموذجي لتقليل النفقات على مشاريع البنية التحتية. و أكدت أن الاتجاه العمودي للوحدة السكنية، سيحقق مكاسب عدة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، فهي من ناحية تزيد ترابط الأسرة الواحدة وتحقق مفهوم الأسرة الممتدة، بحيث يمكن أن يتعايش أفراد العائلة الواحدة في الوحدة السكنية نفسها (المتعددة الطوابق)، وهو ما يحقق الذي تصبو إليه حكومة دولة الإمارات في تحقيق التماسك الأسري والتلاحم المجتمعي. ولفتت الفندي إلى أنها لا تقصد بالاتجاه إلى البنايات السكنية وإنما تتحدث عن إمكانية بناء الوحدة السكنية لثلاثة أو أربعة طوابق، متكاملة المرافق والمصاعد. الاستغلال الأمثلة وفي سياق متصل أكد المهندس عبد الله الشحي، مدير إدارة تنفيذ المشاريع بمؤسسة محمد بن راشد للإسكان، أن المؤسسة وضعت نصب عينيها منذ بداية تأسيسها الاهتمام بقيمة الأراضي السكنية والأهمية القصوى للاستغلال الأمثل لها وحسن إدارة ما يتوافر لديها من مخزون أراض، بالشكل الذي يستجيب إلى متطلبات هذه المرحلة، وفي الوقت نفسه يحفظ للأجيال القادمة من أبناء الوطن نصيبها من توفير فرص السكن الملائم والعيش الكريم. وقامت المؤسسة في إطار سعيها لتطبيق أفضل الممارسات في هذا المجال، بتحديد مساحات قطع الأراضي السكنية بشكل يوفق بين توفير جميع المتطلبات الإسكانية للأسرة الإماراتية بشكل مدروس من جهة، ومن جهة أخرى التقنين في مساحات الأراضي لضمان أفضل استغلال لها، وتوجه المؤسسة إلى نظام الشقق السكنية من خلال إنشاء مجمعات للبنايات السكنية ذات الطوابق المتعددة. مشكلات الإسكان قال محمد حميد المري، مساعد المدير التنفيذي لشؤون المالية في مؤسسة محمد بن راشد للإسكان: نلاحظ أن دول العالم عالجت فجوة الإسكان بطرق عدة مختلفة وكان أكثر الحلول طرقاً هو الإسكان العمودي، حيث اتجهت المدن العصرية في أغلب الدول إلى زيادة إنتاج الوحدات السكنية العمودية، بدلاً من الإسكان الأفقي الذي بطبعة يحتاج إلى مساحات شاسعة ومدها بالخدمات، سواء كانت خدمات بنية تحتية وطرقاً أوخدمات أخرى. ونجحت بعض المدن بشكل استثنائي في حل مشكلات الإسكان عن طريق اعتماد الإسكان العمودي، ومنها سنغافورة وهونغ كونغ واليابان ودول أخرى، بالرغم من التحديات التي تعانيها هذه الدول، مثل ضخامة التعداد السكاني والبيئة والتضاريس، وهي أمور لا تعانيها دولة الإمارات ودول الخليج. يعد الإسكان العمودي تطوراً طبيعياً لعدد كبير من المدن، حتى العربية منها، حيث شهدت الخمسون سنة الماضية تحولاً إلى هذا النوع من الإسكان، خصوصاً في المدن النشطة التي يتوافر فيها الاقتصاد المرن والحركة الاقتصادية الآمنة، ما يؤدي إلى أن تكون منطقة جذب للسكان من المناطق الأخرى، لذلك رأينا تحولاً من الإسكان الأفقي ذي التصميم التقليدي، إلى بناء العمارات والشقق، والأبراج السكنية. وأشار إلى بعض التجارب العربية والإقليمية الموثقة والمعروفة، ويمكن الرجوع إليها، مثل تجارب مصر والمغرب وتركيا. أما في دول الخليج، فتجارب الإسكان العمودي ما زالت في بدايتها، وبالرغم من محاولات عدة في الكويت والبحرين والسعودية، فإن بعضها تعرض إلى عزوف شديد من المواطنين، والبعض الآخر كانت البداية متواضعة ولكن الآن نرى إقبالاً متزايداً على الإسكان العمودي وخصوصاً من الأسر الشابة، لكونه الحل الأمثل لبداية حياة جديدة. يحتاج الإسكان العمودي إلى إعادة النظر وتطويره إلى تصاميم تناسب الأسر الخليجية، نظراً للخصوصية التي تتميز بها، ونجح مشروع الإسكان العمودي في البحرين وفي مدينة جدة، بشكل استثنائي بعد مضي فترة طويلة نسبياً. وتتميز إمارة دبي بتجربتها في تطوير التصاميم العقارية، بما يتناسب مع المعايير العالمية، حيث رأينا المشاريع الحديثة التي تقوم بإبداعات رائعة في مجال الإسكان والهندسة المعمارية، وتصاميم البيانات الداخلية وما يخصها من خدمات، وتقدم كل هذه الخدمات بأسعار في مقدرة الطبقة المتوسطة من الأسر المواطنة، بل وأصبحت تناسب الأسرة الوافدة. ولفت إلى أن هناك نداءات ودعوات متكررة للمختصين في المجال العقاري، لحث المطورين للتوجه إلى الإسكان الاقتصادي العمودي الذي يعالج تطلعات الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل. وأشار إلى أن البداية موفقة وربما نرى تحولاً إلى هذا النوع من الإسكان، إذا قامت الجهات المعنية بدعمه واعتماده أسلوباً وحلاً مناسباً لسد ثغرة العرض والطلب على الإسكان. مراعاة خصوصية الأسرة الإماراتية أكد المهندس خليفة الطنيجي، رئيس دائرة الإسكان بالشارقة أن الإسكان العمودي أمر ضروري، للحفاظ على الأرض للأجيال القادمة، وخفض معدلات تكاليف شبكات البنية التحتية، مشدداً على أنه على المعنيين بالشأن السكني في الدولة، أن يوفروا نماذج سكنية عمودية تحقق خصوصية العائلات الإماراتية، وتطلعات الأسر، وتحافظ على مساحات السكن وكمالياته، وفي الوقت نفسه لا ترهق ميزانية الدولة بالتكاليف الباهظة للبنية التحتية. ولفت الطنيجي إلى أنه خلال تجربة الإسكان العمودي في منطقة دبا الحصن، لوحظ خلال النقاشات مع المستفيدين بعض الأمور المهمة، منها خصوصية الدخول والخروج مراعاة لحرمات المنازل، والمساحات، والمجالس الخاصة، مطالبين أيضاً بمصاعد منفصلة خاصة بالعائلات. وأضاف: إذا استطاع المعماريون أن يحافظوا على خصوصية الأسرة، من خلال تصميم مسكن عائلي خاص بالأب وقابل للامتداد الرأسي للأبناء وأسرهم فيما بعد، بحيث تكون العائلة بالكامل ساكنة في هذا البناء، ما يحقق الخصوصية، سيكون أكثر تقبلاً للمواطن الإماراتي، فضلاً عن أنه يجب على المعماريين أن يقدموا محفزات للمواطن الإماراتي في الإسكان العمودي، بحيث يصبح مكتمل الإمكانات.
مشاركة :