صدر للقاص والروائي والناقد المغربي الدكتور أحمد رزيق دراسة نقدية جديدة بعنوان: « غوايات الهامش في الكتابة الروائية المغربية». وهو كتاب من الحجم المتوسط ويقع في 131 صفحة. وقد مثل الكتاب تتويجا لحالة إدمان عريضة على قراءة الرواية، خاصة منها الرواية المغربية، كما مثل تجسيدا لاهتمام خاص بروايات الهامش، سواء ارتبط ذلك الهامش بفضاء الإبداع الروائي، أي حواف المركز وأطراف الحواضر، أو ارتبط بالمادة الاجتماعية والتاريخية والنفسية التي مثلت مادة العمل الروائي. تستند الدراسة النقدية الأولى الواردة بالفصل الأول من الكتاب:"غوايات الهامش في رواية "روائح مقاهي المكسيك" للكاتب المغربي عبد الواحد كفيح، على خصيصة اللاتحديد الذي يسم الشخصية منذ البدء، والاكتفاء بالنعوت (شخصية بوقال – غليظ الراس – راس الطنك ....). إنها شخصية غير محددة الهوية، تمثل صورة هامشية لبطل الرواية، من خلال تجريده من الاسم، شأنه في ذلك، شأن مجتمع الهامش الذي تتحدد هويات أفراده انطلاقا من ألقاب ونعوت يكسبها التداول قوة الوسم والاستمرار. إنها "غواية تشريح الجراح"، حيث عاش "بوقال" طيلة حياته على الهامش: على هامش الآدمية والانتماء، وعلى هامش الوطن والأسرة، ولم يلق من مختلف الشخصيات التي عايشها وتفاعل معها سوى عبارات الازدراء والتنقيص والقدح...ومعاملات التحقير والتبخيس والتواطؤ والتهميش. ينتقل د. أحمد رزيق من غواية تشريح الجراح إلى مرحلة يتأرجح فيها بطل الرواية بين الألم والوجود، حيث يظل الشعور بالألم في ظل الوجود سمة ملازمة له، وهو ألم متجذر فيه منذ الطفولة، بينه وبين والده، وبينه وبين من كان يعتقد أنها أمه، وبينه وبين زوجتي الأب... ومع فقيه المسيد سي المفضل الوجه الآخر للألم. إنها جراحات الطفولة المغتصبة، والشعور القاتل بالذنب، والعودة إلى اجترار الذل والمهانة، في ظل آلام الخديعة والخيانة، وتجدد آلام المواجهة بعد عودة الأم. وكلها عناوين انتقاها الناقد بعناية فائقة، تجسيدا لتمظهرات الهامش والتهميش الذي حبلت به رواية "روائح مقاهي المكسيك". وينقلنا الدكتور أحمد رزيق إلى غواية أخرى أثثت فضاء الرواية، باعتبارها إحدى عناصرها البارزة، إنها «غوايات الوصف». وقد عدها «رواية الوصف بامتياز»، ذلك أنه لا تكاد تخلو صفحة من صفحاتها من تحديدات وصفية توزعت بين الشخصيات والأمكنة والأحداث والأحاسيس، وهو ما توفق في استجلائه بحرفية واقتدار. واختتم الدكتور أحمد رزيق غوايته في سبر أغوار رواية «روائح مقاهي المكسيك» للقاص والروائي عبد الواحد كفيح، بتشريحه لغوايات أخرى توزعت بين غواية اللغة، وغواية التشبيه والاستعارة، وغواية التشويق والإثارة، وغواية الحلم والعجائبي...مما يبوئ رواية عبد الواحد كفيح مكانة بين مصاف الروايات الاجتماعية، كونها تشريحا وتجسيدا لواقع التهميش الذي تتدثر به شريحة عريضة من المجتمع المقهور والمهمش. وركزت الدراسة النقدية الثانية»سيرة الهجرة/سيرة الذات»، التي مثلت محور الفصل الثاني على رواية «من أيقظ الجمر؟ « لعلي أفيلال، حيث يرحل بنا الدكتور أحمد رزيق إلى عالم مليء بالعصامية والإبداعية، ويرصد بداية دوافع إصرار القاص والروائي علي أفيلال على مواصلة مغامرة الكتابة الروائية، إذ بلغ عدد رواياته تسع عشرة رواية، وهو الكاتب العصامي الذي لم يلج قط فضاء المدرسة. بعد ذلك، ينتقل الدكتور أحمد رزيق إلى توصيف الرواية، التي توزعت أحداثها عبر ستة وعشرين فصلا، اقتنص الروائي عناوينها من فصولها. وتشكل تيمة «الهجرة» القاسم المشترك بين الحكايات المتضمنة بالرواية، كما تبرز غواية الهامش من خلال الفقر والفاقة والتهميش الذي عانت منه مختلف شخصيات الرواية، قبل أن تضطر قسرا للهجرة إلى باريس، ليكون امتهان الدعارة قاسما مشتركا آخر بين هاته الحكايات (حكاية العربي الشواي – حكاية شعيب لمكركب – حكاية معزوزة – حكاية مليكة). وتبرز غوايات الهامش عبر جراحات الهجرة التي تأذت منها شخصيات الكاتب الهامشية، الغارقة في أتون الفقر والفاقة والبؤس والتهميش، والحالمة بحياة أفضل بباريس، سرعان ما تنفتح على واقع أكثر فظاعة ومرارة ودناءة وحقارة. إن شخصيات مثل طامو ومليكة وزينب،، لم تكن لتفكر في الهجرة لولا التهميش بمختلف تجلياته الذي عاشته بموطنها، لتصطدم – عند هجرتها – بواقع أكثر تهميشا، واقع يجسد صورا من معاناة المهاجرين ببلاد المهجر، بين مطرقة جفاء الأبناء وسندان الاضطهاد والعنصرية. يشارإلى أنه صدر للأديب أحمد رزيق سلسلة من الإبداعات السردية «إن أباكم كان راميا»(مجموعة قصصية)، و»بحثا عن ظل» (رواية)، و»مساحات الضوء» (مجموعة قصصية مشتركة)، و»حالات صحو»(مجموعة قصصية)، و»أصوات» (مجموعة قصصية مشتركة)، ومجموعة من الدراسات والإصدارات النقدية والتحليلية.;
مشاركة :