صباح الحرف (ثقافة وصناعة)

  • 10/8/2016
  • 00:00
  • 27
  • 0
  • 0
news-picture

في موضوع الترفيه، يعتبرنا البعض «شعوباً مرفّهة» في الخليج، ويسألون ما حاجتكم إلى الترفيه؟ والسؤال ملغم بالطبع، فالمغزى أنها شعوب كسلى لا تتعب، هكذا في الصورة الذهنية المغلوطة عنا، وليس المغزى بالطبع أنها دول غنية لأن صناعة الترفيه في الولايات المتحدة مثلاً هي الأكثر قيمة سوقية بين بلدان العالم، وهي بلد غني جداً. الجميع في هذا العصر المزعج والمثير للأعصاب يبحثون عن الترفيه، ربما هرباً من يوميات الآلة وضغط الحياة ومتطلبات العمل، والتطبيقات الجديدة وتحديثاتها التي أصبحت كاللعنة، وتأثيراتها التي تطاول النفسيات وتنفذ منها إلى الأرواح فتفسدها، فالإنسان يحتاج في أوقات كثيرة أن يتأمل ذاته ويرى المحيط من حوله بعين أخرى هي عين الترفيه، الذي يحمل في ثناياه ثقافة الحياة. الحديث اليوم يتصاعد في السعودية عن الترفيه، وهذا لا يعني أنه لم يكن موجوداً، لكنه كان على شكلين في ما أحسب، الأول كان في الإجازات والمواسم واستمر لعقدين من الزمن تقريباً كانت وما زالت تنفذه لجان تسمى التنشيط السياحي في كثير من المدن، ولم تحقق نجاحاً يذكر في صناعة سياحة حقيقية، أو ترفيه جاذب لأنها تعمل من دون إمكانات، والأنشطة التي تقام في معظمها أنشطة صورية مكررة، فضلاً عن محاولة تدجينها بأفكار تيار واحد، وإلباسها لبوس الوعظ والإرشاد أكثر من الترويح عن الناس. كانت اجتهادات لإبراء الذمة أكثر منها صناعة حقيقية يجب أن تدار على أنها تدر دخلاً كأي صناعة أخرى، وهي تحولت مع الوقت إلى ما يشبه الواجب، وتورطت كثير من المدن بمهرجاناتها التي باتت جزءاً من روتينها السنوي. الشكل الثاني كان نخبوياً لارتفاع كلفته، إذ يقام بعض العروض لشخصيات كارتونية عالمية، تقدم الرقص والموسيقى للأطفال، وهي عروض معقولة المحتوى، كانت في بداياتها تقام في مزارع أو مواقع خاصة مملوكة لشخصيات كبيرة، وشخصياً ذهبت إلى مزرعة تبعد من المدينة 70 كيلومتراً لتحضر صغيراتي عرضاً كلفته عالية جداً بالنسبة لمتوسطي الدخل، ومستحيلة بالنسبة لمحدوديه، وكان سبب إقامتها في المزارع الحصول على «حصانة» من اقتحام المتطفلين، أو المحتسبين الذين لا نعرف علامَ كانوا سيحتسبون. بين هذين الشكلين تراوح ترفيه الأسر بين المولات والطعام، وأركان الألعاب الضعيفة الأمان والاحترافية. اليوم نروم صناعة يتم تأسيسها بذاتها ثم مساهمتها في تأسيس ثقافة ترفيه حقيقي تهتم بالجميع أكثر من عنايتها بالفرد، لكنها تنطلق من ذائقة الفرد ووعيه وانسجامه مع روح مجتمعه، فيتحقق التنوع. إذا انطلقنا في هذا الطريق وتوالت المشاريع التجارية والاقتصادية لترسيخ هذا النمط في ثنايا الحياة العامة، وتم جني ثمار فرص العمل الجديدة، وفرص الاستثمار شبه البكر، عندذاك ستزداد القناعة الاجتماعية بهذا القطاع، وسيعرف المتوجسون أنها خيارات شخصية، وأن اختيارات الأشخاص ستؤثر على المدى الطويل في اختيارات المستثمرين المحترفين في هذا المجال. سنكتسب ثقافة الترفيه، وسنثقف صناعة الترفيه بما نحتاجه، وسنقرأ في تجربة غيرنا ممن تعاملوا مع الترفيه كرافد تنموي اقتصادي استطاع عبر تطوّر الحياة وتعقدها أن يكون سمة ثقافية وحضارية للمجتمع.

مشاركة :