كانت حفاوة دول الخليج الأربع التي زارها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز محط أنظار العالم، ومصدر بهجة خليجية رسمية وشعبية، إذ كان الإبداع حاضراً في كل حفلات الاستقبال، وكان الحب ظاهراً، وكانت وشائج الدم الواحد والجوار المتجذر في التاريخ ترسم ملامح هذه المناسبات. وفي الكويت، حيث كان مسك الختام، احتفى الكويتيون بملك مثقف، بإقامة احتفال كانت ملامحه ثقافية بامتياز، حضر فيه الفيلم الوثائقي عن تاريخ البلدين ومسيرة مؤسسيهما وحكامهما، والمسرح بمشهد نقدي صغير وبسيط، لكنه معبر، واللوحات الغنائية المميزة التي كانت على جزأين، الأول كان بمثابة احتفاء بالأغنية السعودية، والثاني لوحة غنائية شعبية كويتية عن الغوص وأهازيج البحر. حضر الدعاء والابتهال، وحضرت القصيدة الشعبية، والأوبريت الغنائي الذي أداه قطبان غنائيان من البلدين، وبالطبع حضرت العرضة التي اختتمت حفلة أبهجت الجميع، وطمأنت المهتمين والمتابعين إلى مستقبل الثقافة والفنون بالذات في الكويت التي كانت رائدة الخليج في هذا المجال ثم خبت لظروف تاريخية وثقافية ومالية معروفة. السعوديون بادلوا الكويتيين هذا الاحتفاء وطاروا في آفاق الإعلام الاجتماعي، ممتنين لكل هذا الإبداع، وبالذات في اللوحة الغنائية الأولى التي أخذت مقاطع من أجمل الأغنيات السعودية وأكثرها انتشاراً على مر تاريخها، الأمر الذي يؤكد أن القائمين على الحفلة اختاروا خبراء مميزين لتصميم هذه اللوحة، واستشاروا نقاداً مخضرمين لاختيار الأغنيات والتي قدمت بأصوات جماعية رخيمة، وصاحبتها رقصات الصغيرات العفوية، ثم رقصات الشباب الشعبية. لقد كان الأمل يفقد في الاحتفاء بالإبداع في الخليج، فتوالي الموجات الإقصائية للإبداع، وتصارع التيارات، وانشغال المبدعين بأمور أخرى، أو ضعف تمويلهم أحياناً، وسطوة أشكال بدائية للغناء والإنشاد، كل ذلك جعل الفن والثقافة يتلاشيان عن المشهد تدريجياً إلى أن جاء الاحتفال الكويتي بخادم الحرمين الشريفين ليضيف إلى منافع زياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعروفة، فائدة ثقافية مهمة لن ينساها الجانبان وجميع دول المنطقة. المشهد المسرحي القصير على رغم عفويته ونقده أوضاع الخليجيين على استحياء، سجل أمراً مهماً، هو تأكيد ريادة الكويت المسرحية واهتمامها بهذا الفن وتضمينه أهم حفلة استقبال، وهو قبل ذلك يسجل الأفق الواسع لحكام الخليج الذي يتقبلون النقد حياً على الهواء في أداء مسرحي لم يخضع للرقابة القبلية، وهذا يؤكد ما بدأت به، من أن الكويتيين احتفوا بالثقافة لأنهم في حضرة ملك مثقف يحتفي به أمير الكويت المخضرم الحكيم. أعاد ملك الحزم والعزم الثقة بالتكاتف الخليجي المعروف أصلاً، وهو أيضاً أعاد الأمل بنهضة الإداع الخليجي مجدداً.
مشاركة :