عبدالله بخيت في روايته الجديدة (التابوت النبيل) والسؤال المحير؟!

  • 10/8/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في عالم الرواية وعند أي جنس يكون للخيال الحصة الكبرى في البناء الروائي، حتى ولو صرح الكاتب بأنه (واقعي) فالواقع المقصود هنا هو أن الأحداث مستمدة من مخزون الذات الذي تراكم بفعل السنين التي مرت وما تضمنته من قراءات وتجارب، ووقائع ذهبت وبقي منها ما علق بالذاكرة من صور تتضاءل في أحيان، وتتضح عن بعد في أحايين كثر، والروائي يرسم تبعا لما تمليه عليه ذاته بعد أن وضع القالب الخاص الذي سيصب فيه خلطته السحرية المكونة من اختياراته، واختباراته التجريبية مع تصور عام لما ستكون عليه في نهاية الأمر. عبدالله بخيت كاتب جذبته القصة القصيرة في أول الأمر تبعاً للمرحلة التي ولج إبانها باب الكتابة الإبداعية مع عدد من مجايليه، فكان يملخ صوره من جذور الواقع ويزينها بأخيلته التي تضفي عليه طابع خفة الدم، ولا أقول السخرية لكونه يطرح الموضوع المتلحف برداء الإنسانية، حيث الشخصية معروفة بالاسم والأحداث، ولكن الأفعال التي يكوِّنها لا يعرفها إلا هو عندما يصاحب تلك الأحداث بصور يستجلبها من المخيلة فتضيف على العمل القصصي جمالية تشد المتلقى للمتابعة، ومن ثم يقول في داخله هذا فلان، غير أن فلاناً هذا فيه اختلافات عن الذي أعرفه، وهذه الاختلافات هي من أعمدة البناء، ومن متطلبات العمل لأن الواقع البحت لا يتعدى أن يكون عملية اجترار لحكاية سمعت ورددت إلى درجة السماجة، أو تمثلت في صورة شُفَّتْ بالنَّقل من عمل سابق قَدَّمَ وأخْر في السّرد فَتَكُونُ إلى الهشاشة أقرب، وتؤدي إلى الملل والسأم وتمُر دون أن تأثير أو دفع للتفكير والمساءلة، وقد استمر (البخيت) يكتب، القصص، وتخطى العديد من المجيلين، وهذا يدل على الجدية والمثابرة، قراءة، وتفكيراً، ومن ثم رَسْم المخطط قبل الشروع في الكتابة، وقد اتضح ذلك جليا في أول عمل روائي له (شارع العطايف) إذ كانت الشخصيات معروفة بالاسم عند البعض، ولكن ما تناوله في افعالها ودخوله في جوانياتها وتحليله لشخصياتها كمحلل نفسي جعل منها عملاً متماهياً إن لم يكن متخطياً لأعمال روائية ساعدت الظروف، وساندت المجاملات في ملاحقتها، أما بطريقة تواصل الناشر، أو صاحب الرواية بواسائل التواصل، فكان التواتر ينقل من إلى حتى دون الرجوع إلى العمل، إذا القول يتكرر من إلى والآذان تسمع، وبعض أصحاب الأقلام يكتب ما يسمع لا مايقرأ مختصراً الطريق ومساهماً في التشجيع حتى ولو بالشنشنة. (شارع العطايف) سَجّلتْ روائياً مبدعاً، واختيار الرواية ضمن المرشح من الروايات العربية لجائزة البوكر دليل تأكيد جودة، وإمساك بمكانة، وهي لا زالت تقف على سطح صلب وتدخل أبواب معارض الكتاب العربية من الأبواب الواسعة. كشف لأدوار الماسونية والصهيونية في أحداث العالم بعد هذه الرواية التي لقيت القبول لدى المتلقى على كافة المستويات، أصدر عبدالله (مذكرات منسية) وهي في الأصل أو كما تصورت ما يشبه المذكرات التي يدونها الكاتب لأحداث، أو معلومات، وصور في جمل محببة، يريدها لنفسه، ولكن آثر مشاركة القارىء له، كما هي رتوش تزين (شارع العطايف) بديكورات معلوماتية عن عالمه الروائي، ما بين الواقع والمخيال، جن وإنس، وأناس من ذوي المشارب المتباينة التي يغص بها المجتمع، والكاتب هنا يساهم بالتوعية، ويناقش الأمور ببساطة لكي تصل، ويربط الحاضر بالماضي مستعدا لقفز الحواجز للمستقبل، وهو يعمل في مقالاته الصحفية في هذا التوجه السليم. الرواية الجديدة (التابوت النبيل) الصادرة عن دار مدارك، ولو أن فيها مغايرة عن الرسم الواقعي في العطايف، والمذكرات، فهي ذات أبواب ونوافذ عديدة، تطل على العديد من المناظر في كل اتجاه، فالتاريخ السياسي يحضر، كما يمثل التاريخ الديني، والمعتقدات، وما يتعلق بالأفكار التقدمية، والتقليدية، ومع ذلك فهي تنقل مرحلة تاريخية إلى مرحلة آنية، والهدف كشف المستور، ومحاولة الجواب عن السؤال المحير الذي يتضح في تسلسل الأحداث: بلسان عربي مبين، وبنغمة عالية الخطابة سمعت من يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، رفعت رأسي فشاهدت رجلاً عليه سيماء العرب تعلو فمه ابتسامة غائرة في تجاعيد تحفر في سنين بعيدة، قبل أن أرد التحية بمثلها سأل: الأخ مسلم؟ فقلت: نعم، قال: هل تسمح بالجلوس معك قليلاً؟! خشيت في باديء الأمر أن يكون أحد هؤلاء الذين يجمعون التبرعات للجمعيات، وأنا بطبعي شديد الحذر منهم، ومن طبعي إيضا أن أبقى بعيداً عن الغرباء ذوي الطلعات الغريبة، سألته: ولِمَ تريد الجلوس معي؟ فقال بتهذيب واضح: إذا تفضلت عليّ بالجلوس سوف تعرف كل شيء. تأملت في وجهه ثواني، فأوحى لي بحيائه الهادىء تدني إمكانية الأذى. لن يأتي منه سوى شيء من الإزعاج على أبعدتقدير.. جاملته، قال: أنا آسف على إزعاجك في جلستك المتنحية، المقاهي لم تعد للأصدقاء، لقد جنت علينا هذه الأجهزة والسماعات التي نضعها في الآذان. عزلت الناس عن بعضهم أين منا مقاهينا العربية القديمة التي تسمح لك أن تتحدث مع صديق يجلس في الطرف الآخر من المقهى، فقلت هذه الحياة الحديثة. مع التساؤلات عما يكنه في داخله هذا المقتحم للعزلة، أخذت الصور تتداعى في ذهن الراوي الذي يمثله المؤلف بطريقة التخاطب، فقد يكون الراوي هو الكاتب، إذ إن الرواية تكون أقرب للمتلقي عندما يتمثل نفسه يقرأ سيرة، أو جزءاً من سيرة حياة الكاتب الذي يخاطبه، وهذا ماهو حاصل في معظم الروايات لكونها عن حق تعبر عما يعتمل في نفس الكاتب الذي يريد أن يوصل رسالة إلى القارئين للمشاركة في التعامل مع الحياة بأشكالها، بسرد العديد من المواقف والتجارب التي تكون لها العبرة عند المتلقين، ويكون الكاتب قد ساهم بعطاء كان يتوخى، أو هو يؤكد على أن يفيد، أو يشرع الباب على ميدان فسيح يشارك في ساحته العديد من الموهوبين، وغيرهم، ليصار للوصول إلى أعمال فنية تضيف على الحياة الجديد، وتكشف عن المفيد وما ينقضه، وفي لحظة خاطفة بعد التمهيد ومحاولة استبار الشخصين لبعضهما وما يريد المقتحم من المعتزل وفي بلاد الغربة كندا، وعربي وعربي يكون على الآخر أن يستمع إلى ضيفه لكي يعرف عنه ولماذا اختاره هو دون سواه ممن في المقهيى: ألاحظك دائما تجلس في هذا المقهى (ستاربكس) ألا تعلم أن هذه المقاهي أصحابها يهود ومن الداعمين لإسرائيل، فقلت: توجد فروع في اكثر من بلد في العالم على كافة المستويات الإسلامي والعربي، والغربي، وقد لا يخلو بلد منها. تنوع الحديث في مواضيع شتى وأوحى إليه بأن لديه حكاية طويلة يريد أن يتحمله في سرده لها لكونها تهمهما جميعا، وغيرهم كعرب، وقال له إنه يعيش في تورنتو منذ حوالي ثلاث سنوات، وإنه هاجر من بلده منذ صغره إلى الغرب بدأ من بريطانيا وتنقل إلى عدة دول ومنحته الحكومة الكندية الإقامة الدائمة ومدينة تورنتو جميلة في أهلها ونظامها، ثم فجأة سأله: هل أنت مسلم أم كافر ؟ قبل أن أعبر عن عجبي من السؤال أطلق ضحكة صغيرة ثم قال: ستعرف بإذن الله قيمة سؤالي وستقدره عندما نصل إليه ثم استأنف قائلاً:(أنا عبد العظيم الخويضري) باحث في علوم الثقافات والغيبيات والوثائق المفقودة والمخبأة، فسألت باستغراب: هل هناك علم اسمه الغيبيّات؟ تنهدت: لو تتكرم علي بالامتناع عن طرح الأسئلة، سأجيب عن اسئلتك وأسئلة لم تخطر لك على بال، ولم أجلس معك إلا لموضوع مهم أريدك أن تعرفه، الرجاء أن تتحملني حتى تتبين مقصدي وبعدها أخذ يستعرض حياته وأنه كان يبحث عن إجابة عن سؤال يؤرقه طوال حياته يشرق ويغرب في الحديث، مما اصابه بالملل ولكن حق المجاملة يقتضي أن يصبر، فأخبره أنه بعد أن تجاوز الثمانين من العمر يصل إلى الحقيقة. تلك الحقيقة التي شكلت بالنسبة له نهاية المعرفة، (إذا لم أقتل على أيديهم فأنا اليوم في عداد الموتى. ما قيمة الإنسان الذي حصل على إجابة سؤال حياته الأخير). أعدت ظهري إلى مقعدي ووجهت اهتمامي نحو امرأة جذابه تجلس على طاولة بعيدة لأوحي له أني منزعج وأن كلامه لا ينطوي على الرهبة التي يوحي أو يحاول أن يوحي بها وأخذ المتحدث ينتقل من موضوع إلى آخر ذاهبا إلى أبعاد تاريخية وسياسية شيء فيه من الصحة القليل، وبعضه يطير في الهواء لا رائحة له ولا طعم، وركز على الماسونية ودورها مع الصهيونية في الأحداث العالمية من الحربين العالميتين، إلى الثورات العربية، والانقلابات والتقلبات، مرورا بالبلدان العربية وما تحيكه الصهيونية، ومعها الغرب ضد مناطق قريبة وبعيدة وهذا مايوجه به (العنكبوت الأسمر)، وفي ثنايا الرواية عدة أحداث، اجتماعية، وسياسية، طالت الشرق والغرب، فمن الصور المستلة من ثنايا الرواية: جلس المقرر كاظم المفظي على رأس الطاولة لأنه هو المقرر وافتتح الجلسة مشيداً بـ(العنكبوت الأسمر) هناك أحداث ستنفذ يجب أن تسجل لأنها تهم العالم أجمع فلا تترددوا في العمل، ثم قال المفظي أحب أن أشير أيضا إلى أن المقرر الأعظم يتابع الوقائع ويتمنى لكم التوفيق، فاسمحوا لي أن أسرد عليكم الوقائع التي تهم فريقنا دون ترتيب تاريخي وأترك لكم ترتيب تواريخ إنجازها، وهذه الوقائع أقرت في اجتماع الكونغرس الأممي لعلّي أجملها لكم في كلمة واحدة (الفوضى الخلاقة) كما يعرف الشيخ عبد المجيد وأبو عبد الجبار البعثي اللذان حضرا الاجتماع الأخير، ثم بدأ: الواقعة الأولى: (ترقية صدام حسين إلى رئيس الجمهورية العراقية) الواقعة الثانية: (مغادرة أية الله الخميني العراق إلى باريس أو الكويت ثم عودته إلى إيران بطلاً) الواقعة الثالثة): (مغادرة شاه إيران ) الواقعة الرابعة: (استقبال مصر للشاه) الواقعة الخامسة: (اقتحام حرم المسلمين) تمت مدولات طويلة ومعقدة. من هو العنكبوت الأسمر وكيف يرسم مخططاته؟ الرواية جهد وقد وضح أن البخيت رجع إلى أكثر من مرجع في السياسة والتاريخ، والأديان، إضافة إلى الوقائع التي عايشها، وما أضاف من رتوش مستمدة من المخيلة ليكون السرد مترابطا، ولكن هناك ما هو مستمد من وثائق صحيحة بتصرف، كما هو حال الروائية المبدعة رجاء عالم في روايتها المتميزة (طوق الحمام) ويماثلها ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) التي وضع لكل شخصية ملفا خاصا بها عند كتابتها، وحصل عند حنامينة في ثلاثيته (حكاية بحار، الدقل، المرفأ البعيد)، وكذلك في (ثلاثية غرناطة) لرضوى عاشور. المهم أن العمل على طريقة ارنست هيمنجواي (إنني ما أعرف إلا مارأيته ..) بمعنى التجربة، والتعب في ملاحقة الرسم بالتزود المعرفي ومن ثم تحدد الصورة والإطار. نجيب محفوظ رضوى عاشور رجاء عالم

مشاركة :