الدكتور هشام الرميثي: الأمة الإسلامية تمرض لكنها لا تموت

  • 10/8/2016
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

قال الدكتور هشام الرميثي في خطبة الجمعة بجامع جليجل.. قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أو يَقْتُلُوكَ أو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(30)». (الأنفال) قال القرطبي في تفسيره في بيان ذلك: هذا إخبار بما اجتمع عليه المشركون من المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة، فاجتمع رأيهم على قتله فبيتوه، ورصدوه على باب منزل طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه، ودعا الله عز وجل أن يعمي عليهم أثره، فطمس الله على أبصارهم، فخرج وقد غشيهم النوم، فوضع على رؤوسهم ترابا ونهض. (تفسير القرطبي 7/ 397). أَيُّهَا النَّاسُ: وان المتأمل في حال أعداء الإسلام وأَهْلُ النِّفَاق في كَيْدٍهم وَمَكْرٍهم بِالْمُؤْمِنِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ بِذِكْرِ كَيْدِهِمْ وَمَكْرِهِمْ، وَتَوَارِيخُ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ طَافِحَةٌ بِعَرْضِ ذَلِكُمُ الْمَكْرِ وَالْكَيْدِ، وَالْوَاقِعُ يَشْهَدُ لَهُ خِلَالَ الْعُقُودِ الْمُنْصَرِمَةِ من أنشاء مَرَاكِزُ ضَخْمَةٌ بِمِيزَانِيَّاتٍ عَالِيَةٍ، لِلتَّخْطِيطِ لَهُ وَتَنْفِيذِهِ، بيد أنهم لَا يَشْعُرُونَ أَنَّهُمْ يَقَعُونَ فِي شَرِّ أَعْمَالِهِمْ، وَيُسَاقُونَ إلى مَوَاطِنِ هَلاكِهِمْ، فَيَرْتَدُّ عَلَيْهِمْ كَيْدُهُمْ وَمَكْرُهُمْ، وَيُكَرِّرُونَ ذَلِك وَلا يَتَّعِظُونَ؛ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ، وَابْتِلَاءً لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ؛ فَاَللَّهُ تَعَالَى يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا؛ لأَنَّهُمْ أَوْلِيَاؤُهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَلِيُّهُمْ «اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا» (الْبَقَرَة: 257) وَنَتِيجَةُ هَذِهِ الْوِلَايَةِ: النَّصْرُ وَالْغَلَبَةُ «وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فإن حِزْبَ الله هُمُ الغَالِبُونَ» (الْمَائِدَة: 56). قد يظن أعداء الإسلام أنهم يَنْتَصِرُونَ وَيُحَقِّقُونَ مَا يُرِيدُونَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَمْكُرُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: «وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» (النَّمْل: 50) إِنَّهُمْ لَمْ يَشْعُرُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُحِيطٌ بِمَكْرِهِمْ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَمْكُرُ بِهِمْ؛ فَيُيَسِّرُ لَهُمْ مُرَادَهُمْ مِنَ الْمَكْرِ وَالْكَيْدِ حَتَّى كَادُوا أَنْ يَبْلُغُوا النِّهَايَةَ، وَيَقْطِفُوا الثَّمَرَةَ؛ فَيَقْلِبُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مَكْرَهُمْ، وَيُصِيبُهُمْ بِبَعْضِ كَيْدِهِمْ {وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ» (النَّمْل: 50-51). وَهَذِهِ سُنَّةٌ عَامَّةٌ فِي كَلِّ مَنْ مَكَرَ بِالْمُؤْمِنِينَ؛ فإن اللَّهَ تَعَالَى يُصِيبُهُ بِمَكْرِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَرَادَ إِصَابَةَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ كَانُوا «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ» (الْأَنْعَام: 123). وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: «وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ» (إبْرَاهِيم: 46)، وَفِي آيَةٍ ثَالِثَةٍ: وَفِي رَابِعَةٍ: «قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا» (يُونُس: 21). وَفِي قِصَّةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ إِخْوَتِهِ دِلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ، فَيَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ خَافَ عَلَى يُوسُفَ كَيْدَ إِخْوَتِهِ «قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا» (يوسف: 5) وَهُمْ جَمَاعَةٌ أَقْوِيَاءُ قَدْ «أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ» (يوسف: 102) وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى مَعَ يُوسُفَ «كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ» (يوسف: 76) فَانْتَصَرَ يُوسُفُ الْغُلامُ الْوَحِيدُ الضَّعِيفُ عَلَى إِخْوَتِهِ وَهُمْ كُثُرٌ كِبَارٌ أَقْوِيَاءُ؛ لأن اللهَ تَعَالَى كَادَ لِيُوسُفَ، وَمَكَرَ لَهُ؛ وَلِذَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلا تَمْكُرْ عَلَيَّ...» فَمَنْ مَكَرَ اللهُ تَعَالَى لَهُ انْتَصَرَ وَغَلَبَ مَهْمَا كَانَ ضَعْفُهُ وَقِلَّتُهُ، وَمَنْ مَكَرَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ هُزِمَ وَخَابَ وَخَسِرَ مَهْمَا بَلَغَتْ قُوَّتُهُ وَعُدَّتُهُ وَكَثْرَتُهُ. ومن أعظم المكر زماننا هذا َالْمَاكِرُونَ الْكَائِدُونَ بِالْمُسْلِمِينَ إذ يَقْتَسِمُونَ الْأَدْوَارَ، وَيُخَادِعُونَ النَّاسَ بِتَرَاشُقِ الألْفَاظِ، وَتَقَاذُفِ الاتِّهَامَاتِ، بَيْنَمَا هُمْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى هَدَفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ إِبَادَةُ أَهْلِ الإسلام، وَحَرْقُ بُلْدَانِهِمْ، وَإِحْلالُ الْفَوْضَى فِيهَا، فالقضية الفلسطنية مهملة والصهيانية يلعبون فيها من قتل وتشريد وأستباحة الأعراض والمقدسات منذ 1948م ولا حياة لمن تنادي وحَلَبُ تُحْرَقُ فِي وَضَحِ النَّهَارِ بالصواريخ المحرمة دولية، وَأَمَامَ النِّظَامِ الدَّوْلِيِّ صامت مطبق الا من رحم الله من قادة دول المنطقة بقيادة حاضنة الأمة العربية الإسلامية المملكة العربية السعودية. فَالْوَاجِبُ عَلَى أَهْلِ الإِيمَانِ نَبْذُ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ، وَنُصْرَةُ المُسْتَضْعَفِينَ المُسْتَضَامِينَ بِمَا يَسْتَطِيعُونَ، مِنْ تَخْفِيفِ جِرَاحِهِمْ وَآلامِهِمْ، وَمُوَاسَاتِهِمْ بِكُلِّ أَنْوَاعِ المُوَاسَاةِ، وَالتَّعْرِيفِ بِقَضَايَاهُمْ، وَالإلْحَاحِ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ، وَالدُّعَاءِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ مَا يُقَدَّمُ لَهُمْ؛ فإن الْأَمْرَ بِيَدِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى كَشْفِ هَذِهِ الْغُمَّةِ، وَرَدِّ كَيْدِ الْكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَمَكْرِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْزَالِ نِقْمَتِهِ سُبْحَانَهُ بِهِمْ «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا» (محمد: 10). «قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ» (النحل: 26). «فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ» (الرُّوم:47). يقول علامة الأمة عبدالعزيز ابن باز رحمه الله: إن هذه الأمة تمرض لكنّها لا تموت وتغفو لكنّها لا تنام، فلا تيأسوا فإنكم سترون عزّكم، متى عدتم لربكم. نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرْفَعَ الذُّلَّ وَالْهَوَانَ عَنِ المُؤْمِنِينَ، وَأَنْ يُحْبِطَ كَيْدَ الْكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ، وَأَنْ يَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ خَاسِرِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

مشاركة :