لم تهدأ الضجة المثارة حول قانون البصمة الوراثية، منذ أن أقره مجلس الأمة، وأعلنت وزارة الداخلية عن قرب تطبيقه، متخذة استخراج المواطن الكويتي لجواز السفر الإلكتروني وسيلة للحصول على تلك البصمة. فما إن تنتهي القضية من إثارة جانب من جوانبها، حتى تثار في جانب آخر، ولعل أكثر الجوانب إثارة للجدل في القضية، الجانب الشرعي الذي يؤكد ـ وفي أكثر من جهة ـ أنه لا يجوز شرعا إثبات النسب عبر البصمة، لما لها من مخاطر اجتماعية تهدد كيان المجتمع، هذا عدا المخاوف من تولي الجهات الأمنية مسألة جمع البصمة الوراثية، وما قد يحدث من سوء استخدام البيانات وعدم ضمان سريتها. وجاء الفصل الأخير ـ وليس الآخر ـ في الجدل المثال، من خلال دراسة أعدتها الجمعية الكويتية لمقومات حقوق الإنسان، عددت فيها عيوب قانون «البصمة الوراثية» وما يمكن ان يفرزه من مساوئ، متسائلة «أليس من الأجدر أن تُدار قاعدة بيانات البصمة الوراثية تحت إشراف ورقابة ومعية السلطة القضائية، لضمان المحافظة على سرية البيانات المسجلة فيها، ولكفالة عدم إساءة استخدام السلطة بصددها، ولخلق نوع جيد من التوازن بين إدارة هذه القاعدة، والإشراف عليها من قبل سلطتين مختلفتين تضمنان معا تحقق متطلبات واشتراطات المسؤولية المجتمعية في شأن الحفاظ على سرية بيانات هذه القاعدة؟». وبينت الدراسة ان «تحديد مدة السنة للتسجيل، إنما هو تحديد غير عملي، حيث إن من مفاد ذلك أنه سيتم أخذ العينات الحيوية ثم إجراء فحص البصمة الوراثية ثم تسجيلها في قاعدة بيانات البصمة الوراثية خلال سنة على الأكثر تبدأ من تاريخ إصدار اللائحة التنفيذية، وهذا بطبيعة الحال أمر في غاية الصعوبة بل ويستحيل إنفاذه بالنسبة لما يقرب تعدادهم مجتمعين من ثلاثة ملايين شخص خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة للغاية». وتابعت الدراسة «جاءت المادة (8) من القانون محل الدراسة، لتقرر إيقاع عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، على كل من امتنع عمداً ودون عذر مقبول عن إعطاء العينة الحيوية الخاصة به أو بمن له عليهم ولاية أو وصاية أو قوامة، وهنا يبدو جليا مدى انتهاك حكم المادة لنص المادة (30) من الدستور، فإنه وإن كان الأصل في الإنسان البراءة فبأي سند يواجه الإنسان بعقوبة جزائية تشتمل على الحبس والغرامة معا، دونما ذنب قانوني سوى تمسكه بحريته الشخصية التي كفلها له الدستور الكويتي». وأضافت «لم نجد مثالاً واحداً لأي دولة انتهجت ذات النهج التي تنتهجه دولة الكويت من خلال الكشف عن البصمات الوراثية لكل من تطأ قدماه أرض الكويت وليس فحسب من يعيش عليها»، وفي ما يلي نص الدراسة التي خصت الجمعية «الراي» بها: رأي المجمع الفقهي أكد المجمع الفقهي الإسلامي، في دورة انعقاده السادسة عشرة، أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في الإثبات، فإنه قد قرر في شأن البصمة الوراثية، مجموعة من القواعد المنظمة لها، وذلك وفق النقاط التالية: أولاً: أنه لا مانع شرعا من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر «ادرؤوا الحدود بالشبهات»، على اعتبار أن ذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة. ثانياً: أن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية. ثالثاً: أنه لا يجوز شرعا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب ولا يجوز تقديمها على اللعان بسورة النور. رابعاً: لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعا، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة، لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصونا لأنسابهم. خامساً: يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية: - حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء سواء كان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه. - حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات، ومراكز رعاية الأطفال ونحوها وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب. - حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين. سادسا: لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس أو لشعب أو لفرد، لأي غرض، كما لا تجوز هبتها لأي جهة لما يترتب على بيعها أو هبتها من مفاسد. سابعاً: وبشأن ضوابط اللجوء إلى البصمة الوراثية، أوصى المجمع الفقهي الإسلامي بما يأتي: - أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة، وان تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص، لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى. - تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة، يشترك فيها المتخصصون الشرعيون والأطباء والإداريون وتكون مهمتها الأشراف على نتائج البصمة الوراثية واعتماد نتائجها. - أن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش، ومنع التلوث وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية، حتى تكون النتائج مطابقة للواقع، وأن يتم التأكد من دقة المختبرات، وان يكون عدد المورثات (الجينات المستعملة للفحص) بالقدر الذي يراه المختصون ضروريا دفعا للشك. مواد القانون المادة تتضمن 3 من القانون، النص على أن «تُنظم اللائحة التنفيذية أحكام أخذ العينات الحيوية المنصوص عليها في المادة السابقة من الخاضعين لأحكام هذا القانون وإجراء فحص البصمة الوراثية وتسجيلها بقاعدة بيانات البصمة الوراثية، ويتعين أن يتم التسجيل خلال سنة من تاريخ إصدار هذه اللائحة. ويصدر قرار من الوزير بالتنسيق مع وزير الصحة بتحديد المكلفين بأخذ العينات الحيوية والأماكن المحددة لذلك. ومن ناحية أخرى، تغيب الحاجة التي تقتضي أن يكون تحديد المكلفين بأخذ العينات معلقا على قرار يصدر من وزير الداخلية والاكتفاء بالتنسيق فقط بهذا الصدد مع وزير الصحة، ولعله كان من الأوفق والأجدر أن يُترك أمر إصدار قرار هؤلاء إلى وزير الصحة باعتباره الوزير الفني المختص. وحظراً للامتناع عن الخضوع لعملية أخذ العينة الحيوية، جاءت المادة 4 من القانون، لتنص على «ألا يجوز للأشخاص الخاضعين لأحكام هذا القانون الامتناع عن إعطاء العينة اللازمة لإجراء الفحص متى طلب منهم ذلك، وخلال الموعد المحدد لكل منهم. وتلتزم جهات وأجهزة الدولة كافة بمعاونة المختصين على أخذ العينات الحيوية اللازمة، وقد كان من الأصوب أن يقترن النص على هذا الحظر بعبارة دون سبب أو عذر مقبول، حيث إنه من الوارد عملا أن تستجد بعض الظروف أو تتوافر بعض الحالات التي قد يكون من شأن أي منها منع أو تعذر إعطاء العينة في موعدها أو مكانها المحددين». أشار القانون في المادة (6)، إلى حجية البصمة الوراثية - كأصل عام - في الإثبات، ولعل إطلاق هذه الحجية إلى أن يثبت العكس إنما هو أمر يحتاج إلى تقنينه وإحاطته بالضمانات التي تكفل سلامة العينة الحيوية وصحة طريقة أخذها وسلامة وصحة عملية فحصها وتحليلها، فالمادة تفترض جزما صحة وسلامة إجراءات أخذ العينة وفحصها ونتيجتها دون أن تضع في حسبانها فرضية الخطأ البشري بهذا الشأن، لاسيما وأن قضاء الأحوال الشخصية في محكمة التمييز قد قرر في سوابق قضائية له، عدم الاعتماد في قضايا النسب على ما يعرف بالبصمة الوراثية نظرا لاحتمالية عدم دقتها وافتراض حدوث الخطأ البشري بصددها. وخلصت الدراسة إلى نتيجة أن قانون البصمة الوراثية يمثل - بحسب ما تقدم بيانه - قيدا على الحريات الشخصية المكفولة دستوريا، لكن ما يثير التعجب هو فرض إجراءات هذا القانون على كل زائر لدولة الكويت أو داخل إليها، فمن يأتي لحضور مؤتمر سيخضع وفقا لمفهوم المادة لإجراءات سحب العينة الحيوية وفحص بصمته الوراثية، ومن يأتي للتبادل والاتفاق التجاري سيخضع للإجراءات ذاتها وهكذا وهكذا، فهل هذا أمر مقبول في دولة تسعى لتوسعة وجذب الأنظار إليها في المجال الاقتصادي كمركز اقتصادي إقليمي وفي المجال السياسي والاجتماعي كدولة راعية للحقوق والحريات الإنسانية؟ وختمت بالقول إن «أحكام ونصوص القانون محل الدراسة إنما تتعارض، بصفة عامة، مع أطر أحكام الدستور الكويتي ذات الصلة بالحقوق والحريات الإنسانية، وبصفة خاصة مع حكم المادة (30) والتي تنص على أن الحرية الشخصية مكفولة». ضوابط المجمع الفقهي الإسلامي للبصمة الوراثية - تعتمد في التحقيق الجنائي للجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص - في مجال النسب تقدم عليها النصوص والقواعد الشرعية - لا تعتمد في نفي النسب ولا يجوز تقديمها على «اللعان» - لا تستخدم للتأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعا - لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس أو لشعب أو لفرد لأي غرض متى يجوز استخدام «البصمة» لإثبات النسب؟ - التنازع على مجهول النسب بمختلف الصور - الاشتباه في المواليد بالمستشفيات ومراكز الرعاية وأطفال الأنابيب - ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب البصمة بين التقييد والانفلات ما البصمة؟ «البصمة الوراثية» هي المادة الوراثية التي توجد في خلايا جميع الكائنات الحية، وهي شيفرة جسم كل كائن حي والتي تُميزه عن أقرانه، وقد عُرفت البصمة الوراثية للمرة الاولى في العام 1984 على يد الدكتور «آليك جيفريز» أستاذ علم الوراثة بجامعة «ليستر» في لندن بالمملكة المتحدة. خطر الاستخدام المطلق ما جاء في القانون بأنه يمكن استخدام البصمة الوراثية في أي حالات «بصفة مطلقة دون قيد» تقتضيها المصلحة العليا للبلاد، إنما هو أمر خطير يسمح باستخدام هذه البصمة بناء على السلطة التقديرية المطلقة للجهة المعنية، دون ثمة معايير أو ضوابط رقابية بهذا الصدد، الأمر الذي قد يؤدي إلى الافتئات على حرية الأشخاص وأسرارهم الحيوية والجينية. إتاحة التبادل الدولي! أباحت المادة السابعة من القانون، إمكانية إتاحة بيانات البصمة الوراثية للتبادل المعلوماتي الدولي، دون أن يضع ثمة ضوابط أو اشتراطات غير تلك التي أوردها في عجز المادة، متجاهلا بذلك حكم المادة دور السلطة القضائية «القضاء - النيابة العامة» في قبول أو رفض تقديم المعلومات، وكان لزاما على المشرع أن يبين بوضوح دور السلطة القضائية الكويتية بهذا الشأن، لاسيما وأن المعلومات الخاصة بالبصمة الوراثية هي تُستخدم أساسا في الإثبات أمام القضاء سواء في المسائل الجزائية الجنائية أو المسائل المدنية كإثبات النسب. مستحيل جمعها في سنة إن تحديد مدة السنة للتسجيل، إنما هو تحديد غير عملي، حيث ان من مفاد ذلك أنه سيتم أخذ العينات الحيوية ثم إجراء فحص البصمة الوراثية ثم تسجيلها في قاعدة بيانات البصمة الوراثية خلال سنة على الأكثر تبدأ من تاريخ إصدار اللائحة التنفيذية، وهذا بطبيعة الحال أمر في غاية الصعوبة بل ويستحيل إنفاذه بالنسبة لما يقرب تعدادهم مجتمعين من ثلاثة ملايين شخص خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة للغاية. ضوابط اللجوء إلى البصمة الوراثية: - يمنع إجراء فحص البصمة إلا بطلب من القضاء وفي المختبرات الحكومية المختصة - تكوين لجنة للإشراف على البصمة ونتائجها من شرعيين وأطباء وإداريين - آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش ومنع التلوث وأي جهد بشري في مختبرات البصمة
مشاركة :