استعمار الفضاء؟ يا للهول!

  • 10/9/2016
  • 00:00
  • 52
  • 0
  • 0
news-picture

خلال عقد أو نحو ذلك، ستكون هناك محطات مأهولة في الفضاء. هذه «بشارة» تتجدد كلما تحقق اكتشاف مشابه، كما قبل أيام، فلم تعد تنتمي إلى قصص الخيال العلمي والأفلام. «الخناقة» اليوم بين العلماء في وكالات الفضاء هي حول: أين. الأوروبيون ميالون للقمر والأميركيون ما زالوا يصرون على المريخ. وعلى الخط أيضاً الروس طبعاً والصينيون... سيزدحم الفضاء! الوكالات تعمل على الجوانب العلمية لـ «المشروع»، منهمكة بالتقنيات. واحد يقول: نستخدم الثقوب الموجودة على القمر لنضع المساكن في قلبها، ما سيكون أسهل من تشييدها على سطحه، وأكثر أماناً حيال الإشعاعات والنيازك. وآخر يرسم الفقاعة التي ستستخدم كمسكن. بل إن «ناسا» أنشأت منذ التسعينات وكالة فرعية هي «ترنس هاب»، كاختصار لكلمة «السكن الانتقالي» ورسمت أشكالاً له بعيدة فعلاً عن «البيوت الفردية والمدرسة والكنيسة وحوض السباحة والمخبز ومكتب المقاولات»، أو ما يمثل الحي اليوم في الأذهان (الغربية)، كما قال لـ «الغارديان» البريطانية مؤخراً يان سامبل رئيس الوكالة الأوروبية للفضاء. المحاجّة تقول إن القمر أفضل من المريخ، وحتى من الكويكبات المكتشفة مؤخراً والتي قيل إنها تحاكي الأرض وقد يكون على سطحها ماء، بعكس القمر، وهو «صخرة جرداء». لكن القمر قريب ويمكن العودة منه إلى الأرض بثلاثة أيام عند الحاجة. وهو مكان مثالي لنصب تليسكوبات عملاقة ومراقبة المنظومة الشمسية وما يدور في الفضاء من ظواهر، وأفضل كثيراً من «المحطة الفضائية العالمية» التي شيّدت في الفضاء باشتراك 15 بلداً هي الولايات المتحدة وروسيا واليابان وكندا و11 بلداً أوروبياً. وكلف إنشاء هذه الذبابة العملاقة (108 أمتار طولاً بـ 73 متراً عرضاً و30 متراً ارتفاعاً وبوزن 420 طناً) 150 مليار دولار. وهي تدور على بعد حوالى 400 كيلومتر عن سطح الأرض. وقد بدأ تشييدها في 1998، ويسكنها حالياً 6 رواد فضاء من جنسيات مختلفة يمضي كل فريق منهم بين 3 إلى 6 أشهر على متنها، وستنتهي في قاع المحيط الهادئ عام 2020 أو 2024 (هناك خلاف على التمويل بعد 2020) حين استنفاد أغراضها. وقد أرسلت مؤخراً صوراً للإعصار ماثيو الذي يضرب حالياً الكاريبي، ما يساهم في توقع حركته وقوته والتمكن من تخفيف أضراره. هناك شركات خاصة عدة تدور حول المشروع المقبل: هذه لجلب الماء والوقود، وتلك للسياحة... وهناك تشجيع للاستثمارات ولشراكات القطاعين العام والخاص. وبينما أوقف الرئيس أوباما العديد من المخططات التي كان جورج بوش باشرها، يبدو أن العلماء ومعهم رجال أعمال يستعدون لاستئنافها بعد الانتخابات الأميركية، على أن يكون القمر خطوة باتجاه المريخ وليس بديلاً منه. يبرر العلماء والسياسيون ولوبيات الأعمال كل ذلك بطرق خاصة بكل منهم. الأوائل يقولون إن استكشاف الفضاء الذي بدأ منذ عقود عدة حاجة علمية ومعرفية. بل يضيفون إنه اليوم حاجة عملية تتعلق بمستقبل البشرية، ما يقصد منه إيجاد بدائل عن كوكب الأرض للحياة عليها. والسياسيون يعتبرونها جزءاً من «حرب النجوم» للسيطرة السوبر- إستراتيجية. وإنْ كان مخطط ريغان صاحب التسمية الهوليوودية لمشروع عسكري قاتم هو «مبادرة الدفاع الإستراتيجية» قد ولّى، فالفكرة لم تُقبر. والقطاع الخاص يدغدغ في الظاهر رغبات في المغامرات والغرائب ويحولها في الواقع إلى أوراق بنكية. يكلف الاستكشاف الجاري للفضاء، بمنظومته الشمسية وبما يتعداها، بلايين الدولارات. وحده التليسكوب العملاق «كبلر» كلف على سبيل المثال 600 مليون دولار عند إنشائه في 2009، وهو مذاك اكتشف آلاف الكواكب الواقعة خارج المنظومة الشمسية، أي التي يتطلب الوصول إليها سنوات ضوئية كثيرة، لكنها «قابلة للحياة» بل يحتمل وجود حياة عليها، ما حذر منه مرة العالم الشهير هوكينغ، قائلاً إننا قد نلتقط إشارات من «المخلوقات الفضائية» تلك، لكن الإجابة عنها تحتاج الى تفكير لأنها قد تكون مخلوقات عدائية! كما اكتشف «كبلر» منذ أسابيع قليلة كوكباً جديداً في المنظومة الشمسية نفسها، صار تاسع كواكبها، سمي موقتاً «تيشه»، إلهة الثروة الإغريقية، وعمّ احتفاء وفرح كبيران باكتشافه! فبما يتجاوز الفرح المعرفي، هناك «نظرية» تقول إن غزو الفضاء واستعماره ضرورة حياتية للنوع البشري. الفيلم المدهش «ما بين النجوم» (Interstellar) الذي خرج إلى الشاشات قبل عامين بالتمام، يُظهِر الأرض وقد اجتاحتها الأعاصير والأوبئة وفتكت بمزروعاتها، وأن مخططاً سرياً لنقل قدر من البشر إلى محطة على زحل يمثل الرجاء الأخير. وفي شكل أكثر علمية، تؤكد دراسات أنه بحلول عام 2050 سيصبح تعداد البشرية 9 ملايين وتضيق بهم موارد الأرض كلها. وتشير دراسات أخرى إلى خطر تعرضها للدمار بسبب نيازك عملاقة، أو انفجار إشعاعي فضائي، وأن الحفاظ على النوع البشري يتطلب نقل نماذج بأعداد كافية من البشر، يمكنها التوالد، إلى مكان آخر. ويقال إن المقصود مليون من الشباب الأصحاء الأقوياء الأذكياء والأطفال وبعض الكهول من العلماء، لمساعدتهم على التأقلم وحل المشكلات في عالمهم الجديد، ما يطرح سؤال الانتقاء حينذاك ويقرِّبنا من النظريات العنصرية، بغض النظر عن الأجناس والأعراق! تلك الحجج مستخدمة لتبرير إنفاق بلايين الدولارات وهو الجاري حالياً (بل منذ زمن) على مشاريع الفضاء، فيما يتضور بلايين البشر جوعاً على الأرض حيث يعيش بأقل من دولارين في اليوم (وهو ما دون خط الفقر) 2.8 بليون إنسان، وفق برنامج الأمم المتحدة للتنمية 2015. يلعب الإنسان في هذا دور الجبار. ويهرب القائمون على هذه المشاريع من الخراب البيئي والاقتصادي والاجتماعي الذي يجتاح الأرض ببلايينها السبعة، من الحروب ومن التلوث ومن استغلال الموارد الناضبة في شكل هستيري غير مسؤول، إلى حلول «تقنية» معلبة ومعقمة. ثم لماذا إنقاذ «النوع البشري» إذا كانت تجربته على الأرض أدت إلى هذه الكارثة، وهي من صنع أيادٍ بشرية وليس قوى غيبية أو فضائية قاهرة؟ علامَ حقاً، ونحن عاجزون عن إنهاء الحروب وأشكال البؤس المخزية كلها؟. وهل سننقل قيم الاضطهاد والاستغلال والتحارب إلى الموطن الجديد ومن خلفه إلى الفضاء؟ وإنْ يكن الجواب بالنفي، فلنبدأ بالقضاء عليها هنا، ولنرَ بعد ذلك إن كانت الأرض تضيق فعلاً بسكانها!

مشاركة :