اندلعت، أمس، معارك طاحنة، بين القوات النظامية السورية والفصائل المعارضة في وسط مدينة حلب، قبل اجتماع لمجلس الأمن الدولي لبحث مشروعي قرار، أحدهما فرنسي، والثاني روسي، لفرض وقف إطلاق النار في المدينة، في وقت حقّقت القوات النظامية تقدماً في ريف حماة الشمالي، وانتزعت السيطرة على بلدات وقرى سيطرت عليها المعارضة في الأسابيع الأخيرة، مستفيدة من قتال بين «حركة أحرار الشام» و«جند الأقصى» في ريف إدلب. وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، إن معارك دارت، أمس، على ثلاثة محاور أساسية في مدينة حلب، شملت حي بستان الباشا في وسط المدينة، الذي كانت قوات النظام تقدمت فيه، وحي الشيخ سعيد في جنوبها، ومنطقة العويجة في ضواحيها الشمالية. وأفاد عبدالرحمن بتقدم جديد لقوات النظام والمسلحين الموالين لها في المحور الشمالي بسيطرتهم، أمس، على ضاحية العويجة التي توجد فيها منازل مدنيين ومعامل، مشيراً إلى أن ذلك «يتيح لها التقدم أكثر في شمال المدينة»، وأكد التلفزيون الرسمي السوري سيطرة الجيش على منطقة العويجة. وترافقت المعارك مع قصف جوي على مناطق الاشتباك، بحسب ما أفاد مراسل «فرانس برس» في الأحياء الشرقية والمرصد. وتنفذ قوات النظام السوري هجوماً على الأحياء الشرقية في حلب الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة منذ 22 سبتمبر الماضي، وتعرضت الأحياء الشرقية على مدى أسبوعين لغارات روسية وسورية كثيفة، أدت إلى مقتل 273 شخصاً، بينهم 53 طفلاً، وفق المرصد. وألحقت هذه الغارات دماراً هائلاً بالأبنية وطالت المستشفيات، كما أسفر القصف المدفعي لقوات النظام، بحسب المرصد، عن مقتل «17 مواطناً، بينهم أربعة أطفال». وترد الفصائل المعارضة على الهجوم بإطلاق القذائف على الأحياء الغربية الواقعة تحت سيطرة قوات النظام. ووثق المرصد السوري مقتل «50 شخصاً، بينهم تسعة أطفال» جراء قصف الأحياء الغربية. كما قصفت الفصائل المعارضة، أمس، بحسب المرصد حي الشيخ مقصود ذي الغالبية الكردية، ما أسفر عن مقتل «ثلاثة مواطنين وإصابة خمسة آخرين». وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بدورها بـ«استشهاد ثلاثة أشخاص بينهم طفل وطفلة» في الشيخ مقصود. إلى ذلك، قال المرصد ووسائل إعلام حكومية، إن القوات السورية وحلفاءها استعادوا السيطرة على بلدات وقرى في غرب البلاد، ما سلب مقاتلي المعارضة مكاسب نادرة حققوها في الأسابيع الأخيرة. وأضاف المرصد أن المكاسب الرئيسة للنظام كانت إلى الشمال من حماة. وكانت المعارضة في محافظة حماة الواقعة جنوب حلب سيطرت على سلسلة من البلدات والقرى التابعة للنظام، في هجوم في نهاية أغسطس الماضي، لكن المرصد قال إن القوات النظامية استعادت العديد من تلك المناطق، أمس، في هجوم رجح كفتها في شمال المحافظة للمرة الأول خلال أسابيع. وقالت قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله» اللبناني، إن «الجيش السوري سيطر على بلدات أو قرى منها الطليسية والقاهرة وتل الأسود». وأوضح المرصد أن النظام استفاد من نشوب قتال بين «حركة أحرار الشام» القوية وجماعة «جند الأقصى» في ريف إدلب شمال محافظة حماة. وفي تقدم آخر سيطرت القوات النظامية والمقاتلون المتحالفون معها على قطاع كبير من بلدة الهامة إلى الشمال الغربي من دمشق. جنوباً، قال مصدر عسكري سوري، إن «وحدات من الجيش السوري استهدفت بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة وقذائف المدفعية وراجمات الصواريخ مواقع ومرابض للمجموعات المسلحة في بلدتي ابطع وداعل في ريف درعا الشمالي، رداً على قصفها مواقع الجيش في بلدة قرفا ونامر والكتيبة المهجورة ومحيطها». وجاءت التطورات الميدانية في حلب قبل ساعات على اجتماع مقرر لمجلس الأمن الدولي لمناقشة قرارين روسي وفرنسي حول حلب. ويدعو القرار الروسي «إلى التنفيذ الفوري لوقف الأعمال القتالية، خصوصاً في حلب»، كما يدعو جميع الأطراف إلى السماح بإيصال المساعدات الإنسانية. أما النص الفرنسي، الذي سارعت موسكو إلى إعلان استعدادها لاستخدام حق «الفيتو» ضده، فيدعو إلى وقف إطلاق النار في حلب، وفرض حظر للطيران في أجوائها. وأعرب السفير البريطاني ماثيو رايكروفت، عن رفضه النص الروسي، معتبراً انه مناورة هدفها «تحويل الانتباه بصورة ساخرة عن ضرورة وقف القصف على حلب». وقال دبلوماسي في مجلس الأمن، طلب عدم كشف هويته، إن القرار الروسي «في شكله يحتوي على العديد من التعابير البناءة المستمدة من قرارات سابقة، ومن النص الفرنسي، لكن النقطة الأساسية هي أنه لا يدعو إلى وقف القصف الجوي». وأضاف أن «الغالبية العظمى» من أعضاء المجلس يريدون «وقفاً فورياً لعمليات القصف المتواصل للمدنيين في حلب». وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة حول سورية، أول من أمس، غداة تحذير مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستافان دي ميستورا، من أن الأحياء الشرقية لحلب ستدمر بالكامل بحلول نهاية العام، إذا ما استمر الوضع على الوتيرة ذاتها، ودعا المتطرفين إلى مغادرة المدينة. ويتزامن الحراك في أروقة الأمم المتحدة مع تصاعد التوتر بين موسكو وواشنطن حول سورية، حتى إن الأخيرة طالبت بالتحقيق مع النظام السوري وروسيا حول «جرائم حرب» في مدينة حلب. وتدهور الوضع الميداني في شرق حلب، إثر انهيار هدنة في 19 سبتمبر الماضي، تم التوصل إليها بموجب اتفاق أميركي روسي وصمدت أسبوعاً فقط.
مشاركة :