العائدون من «الشقيقة» ليبيا يروون قصص تعذيبهم جسديا ونفسيا من الشرطة لإذلالهم (ملف خاص)

  • 3/8/2013
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لخص المصريون العائدون من ليبيا، أسباب تعذيبهم وإهانتهم في مكان ذهبوا إليه طلباً للرزق في جملة واحدة: «كرامتنا المهانة في الداخل كانت دافعًا قويًا لإهانتنا في الخارج». استقبلت «المصرى اليوم» على مدار يوم كامل، عشرات القصص لمصريين من أمام معبر السلوم البري، أشاروا في قصصهم إلى جرائم تعذيب جسدي ونفسي على يد رجال جمارك وشرطة ليبيين، تعمدوا كسر كرامتهم عبر حلق أنصاف شواربهم وحواجبهم، بجانب الضرب والصفع. من أمام معبر السلوم البري التقت «المصري اليوم» سائقي شاحنات غذائية عالقين ببضائعهم أمام المعبر، تحولوا داخل الأراضي المصرية إلى ناشطين سياسيين، بعد أن ذاقوا بأنفسهم مرارة التعذيب. «اقلع حزام البنطلون».. كان ذلك هو آخر أمر تلقاه أحمد يسري، أحد العمال المصريين المرحلين من ليبيا من عساكر الجمرك الليبي قبل أن يطلقوا سراحه للعبور إلى الجانب المصري والعودة إلى بلاده. وقال «يسري»، في غضب بعد عبوره إلى الجانب المصري: «الحزام كان آخر حاجة معايا، بعد ما استولوا على كل الفلوس اللي اشتغلت بيها هناك وكمان الملابس الجديدة التي اشتريتها قبل العودة لمصر، لدرجة أنهم فتحوا شنط الملابس قَّدامي وقاسوها قطعة قطعة، واللي كان ييجي مقاس عسكري منهم يقولوا له (مبروكة عليك)»، وخرج أحمد يسري من بوابة المنفذ دون أن يحمل ورقة واحدة تثبت هويته، حيث مزق العاملون في الجمرك الليبي جواز سفره وجميع الأوراق التي تثبت هويته أمام عينه: «مش عارف هعمل إيه لحد ما أوصل بيتنا في المنيا، كان المفروض العاملين في منفذ السلوم يدوني أي ورقة مختومة تثبت الحالة الكرب اللي خرجت بيها من ليبيا لحد ما أروّح بيتي، لأنها بصراحة مش ناقصة بهدلة من أي حد بعد اللى شوفناه». «يسري» الذي ظل يعمل في دولة ليبيا كفني تركيب رخام لمدة عام ونصف العام لم يكن يتخيل طيلة حياته أن حلم إتمام شقته ليعجل بزفافه على خطيبته سوف يقوده إلى مواجهة تلك المهانة، «فيه إيه أكتر من إني أخبي الموبايل اللي لسه جايبه جديد في ملابسي الداخلية علشان محدش يوصل له وياخده مني، لأنه والله حرام لما أدفع فيه 750 دينارًا من شقا عمرى ويجى واحد بلطجى لمجرد إنه حامل سلاح ياخده منى كده على الساهل». الأشهر التي قضاها «أحمد» على الأراضى الليبية لم يخرج منها سوى بـ10 دينارات، كلما تحسسها فى جيبه اشتعلت بداخله نيران الرغبة فى الثأر، والتى دفعته للتفكير فى المكوث أمام باب المنفذ لتحذير كل مصرى يفكر فى دخول ليبيا. يقول: «رغم قسوة المعاملة التى يلقاها المصريون فى الأيام الأخيرة التى يتم احتجازهم فيها بجمرك ليبيا قبل ترحيلهم، فإن التواجد على أرضها بالداخل لا يقل مهانة ولا رعبا ولا فزعا، فلا يوجد مصرى يمكنه السير فى شوارعها بعد المغرب، وكثيرا ما يتم إلقاء القبض علينا دون سبب، وندفع الرشاوى والإتاوات للخروج من المحبس». لم يتمالك محمد علي نفسه من البكاء أمام ضابط منفذ السلوم الذي كان في استقبالهم، فور أن قال له الضابط: «حمد الله على السلامة»، حيث تسارعت دموعه وهي ترد نيابة عن لسانه الذى عجز عن النطق «أى سلامة». حيث استحضر «محمد»، كما يقول، في تلك اللحظة مشهد إجباره ونحو 5 مصريين آخرين على خلع ملابسهم فى الجمرك الليبى، وبدء حفلة ضرب من قبل جنود ليبيين بالأيدى والعصى دون تمييز حتى احمرت جلودهم، ثم ساوموهم على دفع 40 دينارا لكف الضرب عنهم. ثلاثة أشهر فقط قضاها «محمد» الذي شارف على العقد الرابع من عمره- فى ليبيا كانت كفيلة باتخاذه قرار عدم العودة إليها مرة أخرى، يقول: «حتى لو هاموت من الجوع أنا وعيالى مش هرجع للبلد دى، فيه إيه أكتر من أنى خارج من هناك ومش معايا ثمن الأجرة اللى هتوصلنى بيتى فى الهرم، وأهل الخير من اللى راجعين معايا اتبرعوا لى بيها». أما هويدى سميح، أحد العمال بالفاعل الذى ظل محتجزا فى الجمرك الليبى على مدار ثلاثة أيام، فقد أُتيحت له الفرصة لمشاهدة أكبر كم من مشاهد التعذيب والانتهاكات ضد المصريين، ومنها الضرب والسب بأبشع الألفاظ، وإجبارهم على الجلوس لساعات طويلة فى وضع معين، والحراسة فوقهم بالرشاشات، وإجبارهم على تقليد أصوات الحيوانات كالكلاب والقطط والماعز، فى حين وصلت قمة الإهانة لحلق أنصاف الشوارب والحواجب والشعر لبعض المصريين، وهى الإهانة التى قاومها هويدى.. «ده لو كان هتكلفنى عمرى ما كنتش هخلى حد يمد إيده علىّ»، مقاومة «هويدى» للعساكر بكل قوته لمنعهم من حلق شعره وشاربه قابله تجمع العساكر وانهيالهم عليه بالضرب المبرح، بالأيدى والأقدام قبل أن يتركوه ملقى على الأرض. لم ينس الليبيون مقاومة «هويدى» لمنعهم من حلق شعره، فأجبروه على كنس ومسح مكاتب ودورات مياه الجمرك، نظير الحصول على نصف رغيف فى آخر اليوم، ودفع دينار لدخول الحمام الذى مسحه بيده، قبل الإفراج عنه مع إحدى دفعات المصريين الخارجين من ليبيا. نوم «هويدى» فى الورش والعمل من 6 صباحاً حتى السابعة مساء، وأحيانا كثيرة دون أجر، كل ذلك كان أهون عليه من مشهد الـ500 مصرى الذين ناموا معه على أرض الجمرك وبينهم أطفال ونساء وشيوخ، جميعهم فى العراء دون أغطية، كما مازالت تتردد فى أذنيه صرخة الأطفال، الذين كانت تنهال على وجوههم كفوف ميليشيات الجمرك دون رحمة، ليس هذا فحسب بل كانت تتطاير الرصاصات فوق رؤوس كل من يعترض أو يحاول تخليص طفل من بين أيديهم. احتراف الليبيين ضرب وإهانة المصريين خلق وظيفة جديدة ورابحة وهى «سمسار التهريب» من أيدى الميليشيات، حيث يبادر السماسرة الليبيون بتهريب المصريين عبر الجبال والبوابات لمنع وقوعهم فى أيدى الحكومة وتعذيبهم، خاصة المقيمين بطرق غير شرعية. يقول «هويدى»: «لكل بوابة سمسار، يقبض عمولته قبل أن يسلمك لآخر ليكمل معك الرحلة، وفى كل مرة أنت ملزم بالدفع لكل من يتعامل معك، لكن الكارثة الأكبر من ذلك أن كثيراً منهم معدومو الضمير، لا يكتفى بأخذ حقه ماديا، بل حدثت انتهاكات جنسية ضد مصريين، خاصة الأسر التى تقصده بغرض حماية أعراضها، فيكون هو أول من ينتهكها، لأنه يعلم أن المصرى لن ينال حقه مهما فعلوا معه، وهناك حادثة شهيرة من ذلك النوع حدثت فى منطقة بئر الأشهب لأب ومعه زوجته وبناته». وانتقد صابر محمود، ابن محافظة أسيوط التى كانت من أعلى محافظات مصر تصويتا للرئيس مرسى، تجاهل الرئيس إهانة أبناء بلده، الذين أقسم على صيانة كرامتهم، وقال: «لو كانت الدولة عملت عقود عمل وأجبرت الدول دى على احترام بنودها ماكنش حد اتهان فينا بالشكل ده، خصوصا أننا رحنا لحد سفارة ليبيا لطلب التأشيرة بشكل شرعى، ورغم كده رفضوا، فاضطرينا لدخول ليبيا بشكل غير شرعى واستخراج التأشيرة من هناك بـ4 آلاف جنيه لمدة سنة واحدة».

مشاركة :