الهوية الجزائرية بين إصلاح مناهج التعليم وفيديو «المعلمة صباح»

  • 10/10/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

دخول مدرسي عاصف شهدته الجزائر هذه السنة. فوزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط رمعون، لم تكن استردت أنفاسها بعد جراء اختبار قاس خضعت له في امتحان البكالوريا الصيف الماضي، وما شابه من عمليات غش واسعة فرضت الوصاية على إعادة الامتحان في مجموعة شعب ومقاييس، لتجد نفسها اليوم في مواجهة غضب قطاع واسع من المجتمع بسبب ما أطلق عليه مناهج الجيل الثاني, والتي جاءت ثمرة الإصلاحات التي باشرتها بن غبريط. وزادت قضية المعلمة صباح صاحبة فيديو «العربية لغة الجنة» من حمى النقاش الدائر حالياً في البلاد التي تعيد كل فينة وأخرى البحث في هويتها. فذلك كشف عن صراع إيديولوجي كبير تعيشه المدرسة الجزائرية والمجتمع من خلفها، أبطاله منظمات جماهيرية ووسائل إعلام وطبعاً أحزاب سياسية. أول امتحان واجهته الوزيرة هذه السنة كان مع التسجيل الذي بثته معلمة على صفحتها في «فايسبوك»، وأثار جدلاً واسعاً بداية لأنها توجهت بتسجيلها إلى الأطفال من دون ترخيص من أوليائهم تقول فيه إن اللغة العربية هي لغة الجنة، وسرعان ما تحول الموضوع مادة إعلامية وفتح نقاشاً واسعاً في المجتمع وصل إلى أروقة البرلمان، ووزارة التربية التي فتحت تحقيقاً في الموضوع. هذا النقاش زاد احتداماً مع تفجر قضية محتوى المناهج الدراسية والتغييرات التي طاولتها والأخطاء التي شابتها، ولعل ورود اسم إسرائيل بدل فلسطين في خريطة كتاب الجغرافيا، كان القطرة التي أفاضت الكأس، لتصل المعركة إلى أوجها بين مدافع عن إصلاحات الوزيرة بن غبريط التي صنفتها مجلة «فوربس» واحدة من أقوى عشر سيدات عربيات في القطاع الحكومي والمحسوبة على التيار العلماني الفرانكفوني، ومن يعارضها من التيار المحافظ الذي اعتبر أن إصلاحاتها تهدّد الهوية العربية الإسلامية للجزائريين على حساب «فرنسة» المدرسة. وضع إعاد صورة الصراع الإيديولوجي في الجزائر بين المعسكرين الفرنكفوني العلماني والعروبي الإسلامي، الذي كانت دائماً المدرسة والجامعة مسرحاً لهما. وأصبحت المدرسة محل تجاذبات بين تيارين متنافسين بخاصة بعد صعود التيار الإسلامي وتبوؤ رجالاته مناصب حساسة في الدولة. ويرى الإعلامي محمد أوانوغان في قراءته للجدل القائم وخلفياته أنه «منذ عقود تغيرت المعادلة وأصبح المعرّبون يسيطرون على الإعلام وعلى مناصب حساسة في أجهزة الدولة ومن ثم على مجال المال والأعمال... وكل هذا بفضل المدرسة. المفرنسون إذاً يسعون إلى استرجاع السيطرة ولن يتوقفوا عن مسعاهم كما لن يتوقف المعرّبون على الدفاع عن مواقعهم». أما الكاتب والإعلامي سعيد خطيبي مدير موقع «نفحة» فلا يبتعد كثيراً عن تشخيص أيوانوغان للحالة، ويقول: «حتى نهاية الثّمانينات، كان الصّدام سياسياً محضاً بين تعريبيين وتغريبيين، بين اشتراكيين وليبراليين، لكنه تحوّل، في العشرين سنة الماضية، صداماً سياسياً - دينياً، تغلب الليبيراليون على الاشتراكيين، ودخلوا في مواجهة صارمة مع المكوّن الإسلامي المسيّس، الذي بات يبحث له عن مكان، يُجاهر بمعارضته أو بمصالحته للسّلطة، وفق طريقة تعاملها مع المدرسة، وما توفّر له من مساحات مناورة فيها». هذه التجاذبات ترجمت من خلال مبادرات قامت بها أحزاب ذات توجهات إسلامية طالبت بإقالة الوزيرة بن غبريط، في حين دعت جمعية العلماء المسلمين إلى اجتماع استمعت خلاله إلى رأي الوزيرة بخصوص الإصلاحات التي باشرتها. ويرى الكاتب الصحافي فيصل ميطاوي أن الوزيرة بن غبريط «يعاب عليها التسرع في الإصلاحات أو ما يطلق عليها كتب الجيل الثاني، حيث وردت أخطاء عدة على غرار ما جاء في كتاب الجغرافيا». كما يقف المتحدث عند الانتقادات التي وجهت إلى الوزيرة المثيرة للجدل واتهامها بمحاولة فرنسة المدرسة الجزائرية من خلال استعانتها بخبراء فرنسيين، وكانت هناك اقتراحات لتدريس اللغة العامية وهو ما ذكّر بالمشروع الفرنسي خلال الاستعمار في الخمسينات الذي حاول تطبيق الفكرة. ووفق المتحدث فإن الوزيرة ترفع شعار عصرنة المدرسة، من دون أن تحدد ما هي العصرنة. ويضيف: «هناك مطالب بإدراج اللغة الإنكليزية في الطور الابتدائي، لكن الوزيرة رفضت المقترح وتمسكت باللغة الفرنسية وهذا في حد ذاته يدخل في الأدلجة لا في العصرنة». في المقابل يرى من يدعمون الوزيرة ويؤيدون الإصلاحات التي تقوم بها، أنها للأسف لا تملك الوسائل والإمكانات كما أنها تفتقر إلى دعم الحكومة والرئيس. فالوزيرة وفق هؤلاء، وجدت نفسها محاطة بكوادر لا علاقة لهم بالتعليم والتنشئة ولا يريدون التخلي عن مكاسبهم. اليوم، تعيش المدرسة الجزائرية مخاضاً يشبه مخاض البلاد نفسها، ولا يختلف عما عاشته سابقاً من صراعات بين تيارات فكرية وإيديولوجية ليبقى الخاسر الأول هو التلميذ، فيدفع ثمن صراعات يركز أصحابها على مكاسب تخدم مواقعهم وتوجهاتهم لا مصلحة الناشئة، في تلقي تعليم نوعي وفي أحسن الظروف.

مشاركة :