الشيطان أيضاً يقرأ "المعوّذتَين"!

  • 10/10/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كلمةٌ مِن نبيّ تحرق ألف شيطان، وشيطانٌ واحد يُلهم ألفَ طاغية، والفراعنةُ الجُدد على درب أسلافهم في تفريخ الدجالين والمنافقين والمفسدين وشيوخ السلطة، وقدرُ الناس أن يكون لكل واحد منهم، اليوم، ألف شيطانٍ، ما بين داعٍ إلى الغواية، وآخر في مُسوح أولياء وأتقياء وأنبياء كذبة. "1" قصصُ الظلم وملاحم النصر والهزيمة واحدة في كل عصر، النهاية غالباً ليست مثيرةً أو صادمةً؛ لأنها مألوفة ومكررة لدى التاريخ، وعلى الرغم من ذلك، فإننا لا نتعلم أو نتدارك كوارثنا. قَدَرُ الشعوب أن تعيش المأساة كاملة بطيشها ونزقها وظلمها وفتنتها، يحاول التاريخ أن يلهم اللاحقين؛ ليَتداركوا أخطاءَهم الصغيرة وخطاياهم الكبرى، لكنهم أبداً لا يتعلمون. "2" لسنا أول مَن فصَّل القوانين على مقاس الفراعنة، أو شرَّع وأفتى لتبرير الطغيان والهزيمة، لسنا أول مَن خُدع بمسوح الأتقياء أو "استهوته الشياطين حيران أسفاً"، لسنا أول مَن شنَّ ثورة بذل فيها دماءه وخلاصة شبابه، ثم استمرأ تصفيتها، وأهال عليها التراب بيده؛ ليتخلص من "خطيئته"، التي غلبته في لحظة "صدق" وغواية. لسنا أول مَن حمل صور الطغاة وخرج إلى الشوارع؛ ليمنح تصريحاً شعبياً للجلادين باستمرار القتل وسفك الدماء، لكننا -بلا شك- الأكثر ثراءً في كمِّ المداهنين والمنافقين وعلماء السلطة ودعاة السوء الذين يبررون ويتلونون ويطلقون صكوك الخيانة والغفران على مَن شاءوا، ومتى شاءوا، وفقاً لأهوائهم ومصالح شيطانهم الأكبر. "3" إنها نفسُ الفئة التي كانت تسبِّح بحمد النظام الأسبق ليلاً ونهاراً، ثم لعنته بعد ذلك متبرئةً منه ومن حاشيته، وهي الفئة ذاتُها التي حاولت، بكلِّ ما أوتيت من مواهب الكذب والتلفيق والشيطنة، إطفاء الثورة إبان اندلاعها، ثم أشادت بها قبل أن تقفز مرة أخرى إلى الجهة المقابلة لتلعنها، ونفس الفئة التي تحتشد الآن لصناعة طاغية جديد، مبررةً فشله، تماماً، بنفس مبرراتها القديمة البالية، والعجيب، هو أننا نفس الشعب الذي ما زال يستمع إلى هذه الشرذمة العفنة من إعلاميين وصحفيين وشيوخ، يُلبسون الباطل رداءَ الحق، مستخدمين نصوص الشريعة أحياناً، ومصطلحات الوطنية، في أحيان أخرى؛ لتأكيد ما يوافق هواهُم، أو بالأحرى "هوى الشيطان". "4" "واصطنعتك لنفسي".. ذلك هو المبدأ الراسخ في صناعة شيوخ وعلماء المؤسسة الرسمية، كانت الحقبة الناصرية هي البداية الأكثر وضوحاً لهذه الصناعة "التاريخية"، التي تطورت حتى وصلت إلى هذا المستوى الذي أسقط هيبة العلماء، وأطفأ رونق مؤسسة عريقة كالأزهر الشريف، وتوسعت الصناعة لتطال شيوخاً من أبناء التيار السلفي، وممَّن يطلق عليهم "الدعاة الجدد"، وغيرهم، ممن يتحدثون وفق أهوائهم، "يُحرِّفون الكلم عن مواضعه"، في حين يُطارد أولئك "القابضون على الجمر"، باعتبارهم "خوارج" عن الخط المرسوم. التهم متنوعة وفتاوى التضليل المصنّعة والمُعلّبة داخل سراديب المؤسسة الرسمية جاهزة، كل ذلك في ظل أمية دينية "متعمدة"، وجهل حتى بأساسيات الدين، وشعوب مسلمة لا تستطيع أن تفرق بين فرائض الوضوء وفضائله، ولا تُجيد حتى قراءة قصار السور. "5" آن الأوان ليَقتل ويَعتقل الجلادون معارضيهم بأريحية ودَم بارد، مستندين إلى قاعدة صلدة من فتاوى كبار المؤسسة الرسمية، وغيرها. الخلط ما بين المعارضة بشتى صورها وما بين مصطلحات أخرى كـ"البغي" و"الخروج"، جاهزٌ على ألسنة الشيوخ، وتحريفُ نصوص الشريعة والأحاديث لا يحتاج إلى جهد جهيد، والشعوبُ، الآن، لا تميز بين الصحيح والباطل، ومعاركُ الفضائيات منحصرة في إلهاء الناس بسفاسف الأمور، أو تحريض المواطنين على بعضهم البعض، أو إلقاء شعلة في كومة قش ثم جمع الناس حولها، في الوقت الذي يواصل فيه المفسدون سرقة أموالهم. "6" الآن يا صديقي تكتمل "رابطة المفسدين في الأرض" بتشكيلة فريدة من نوعها، تضم في جنباتها إعلاميين وصحفيين وشيوخاً وسياسيين ومواطنين شرفاء، ومتصلين بالقنوات الفضائية على قدرٍ كبيرٍ من "الوعي والوطنية"، يفهمون حقيقة المؤامرة الكونية الفضائية العنكبوتية، ويشيدون بشيوخ "الإسلام الوسطي الجميل"، في حين يجلس الشيطان متفرجاً على تلاميذه النجباء، يتناول قهوته المسائية، ضاحكاً مِلء فمه، حينما يقرأ هؤلاء "المعوّذتين"، بعد أن تداهمهم الكوابيس، أو تطاردهم الدماء، أو يُزعجهم صراخُ المعذبين في السجون، وعلى أسرّة المستشفيات، وأمام المصالح الحكومية، وخلف إشارات المرور. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :