مغرب الاعتدال... يجمع بين «العدالة» و«الأصالة» - مقالات

  • 10/11/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ان ينجح المغرب في اجراء انتخابات نيابية في منطقة تطوقها الحرائق، دليل على وجود تلك الرؤية الشاملة والطليعية لدى الملك محمّد السادس. تلك رؤية تجمع بين «العدالة»، وهو حزب إسلامي، و«الاصالة»، وهو حزب ينادي بالدولة المدنية في مجلس نيابي واحد. انّها رؤية تقوم على نشر ثقافة الاعتدال والتوازن في المملكة وخارجها وتكريسها. اكثر من ذلك، ما يشهده المغرب من تطورات دليل على تلك اللحمة القائمة بين المواطن والملك، وهي لحمة تقوم اوّل ما تقوم على نظام ملكي متصالح مع نفسه ومع الشعب، أي على ايمان بشرعية عميقة للنظام موجودة وراسخة في وجدان كلّ مغربي. فاز من فاز في الانتخابات وخسر من خسر. هناك خريطة سياسية مختلفة في المغرب. الرابح الاوّل يظل المغرب نفسه الذي اثبت شعبه قدرة على تطوير الحياة السياسية بعيدا عن التطرف والعنف. هناك رغبة واضحة لدى المغاربة في المضي في مسيرة الإصلاحات على كلّ صعيد وذلك بعد إقرار دستور العام 2011 في استفتاء شعبي. فهم اسلاميو المغرب الرسالة. اندمجوا باللعبة الديموقراطية وحاولوا الاستفادة منها قدر الإمكان. اثبتوا مرّة أخرى انّهم الحزب المنظم شبه الوحيد في المغرب، وذلك بفوزهم بـ 125 مقعداً في المجلس الجديد الذي يضم 395 عضواً. استطاع حزب «العدالة والتنمية» بزعامة عبدالاله ابن كيران زيادة عدد نوابه الذين كان عددهم في المجلس السابق 107. سيساعد ذلك ابن كيران في إيجاد تحالفات حزبية بعد ان يطلب منه محمد السادس، بموجب الدستور المعمول به، تشكيل الحكومة الجديدة. يبدو واضحا انّ «العدالة والتنمية» الذي كان زعيمه على رأس الحكومة التي تشكلت بعد انتخابات 2011، استطاع مقاومة الصدأ الذي يصيب الأحزاب التي تبقى طويلا في السلطة. فبعد خمس سنوات على رأس الحكومة، اظهر ابن كيران ان حزبه يمتلك قاعدة ثابتة لم تتأثّر بكل انواع الاخفاقات والفضائح، بما في ذلك الفضائح الجنسية، التي طاولت عددا لا بأس به من قياديي الحزب من الجنسين. في الواقع، استطاع «العدالة والتنمية» الصمود. لعلّ استفادته الكبرى كانت من ان الاقبال على صناديق الاقتراع لم يرتفع مقارنة مع انتخابات 2011، لذلك حسّن وضعه في المجلس الجديد، في وقت لم تتمكن الأحزاب التقليدية الأخرى، على رأسها «الاستقلال» من إعادة تأهيل نفسها وحشد مناصريها ودفعهم الى التصويت. هذا لم يمنع «الاستقلال» الذي يحتاج الى تجديد شبابه، من الحصول على واحد وأربعين مقعدا والحلول ثالثا خلف «الاصالة والمعاصرة» الذي كان النجم الصاعد في هذه الانتخابات. سجل «الاصالة والمعاصرة» بزعامة الياس العمّاري رقماً جيداً وذلك بحصوله على 102 مقعد. سيكون من الصعب إيجاد تحالف بين الإسلاميين و«الاصالة» في ضوء التباعد بينهما والخلافات في النظرة الى المجتمع والى الامور العامة. لكنّ الثابت ان بروز حزب علماني في وجه الإسلاميين، رغم انّ هؤلاء يؤكدون المرّة تلو الأخرى، انّ حزبهم لا ينتمي الى التنظيم العالمي لـ«الاخوان المسلمين»، يشكّل ظاهرة صحية. تختزل هذه الظاهرة كلمة واحدة هي التوازن. المغرب بلد التوازنات. صار هناك الآن توازن بين حزبين كبيرين يراقب كلّ منهما الآخر في اطار العمل التشريعي الذي يؤدّيه مجلس النوّاب. ما اسفرت عنه انتخابات مجلس النوّاب خطوة أخرى في غاية الاهمّية كي يسود التوازن كلّ مرافق الحياة في المملكة. هذا لا يعني ان على الأحزاب الأخرى الاستسلام للثنائية الجديدة بين قطبين كبيرين في البرلمان لا يجمع بينهما شيء باستثناء خدمة المغرب، كلّ على طريقته. على العكس من ذلك، من واجب الأحزاب تطوير نفسها بغية الوصول الى مرحلة يكون فيها تداول فعلي في ما بينها في ما يخص موقع رئيس الوزراء. فاذا كان من تقصير في الانتخابات، فانّ هذا التقصير يقع على عاتق الأحزاب التي لم تستطع حمل مؤيديها على زيادة نسبة الاقبال على التصويت تاركة لـ «العدالة والتنمية» المجال للظهور في مظهر الحزب شبه الوحيد القادر على حشد مؤيديه وانصاره في انتخابات تميّزت بالشفافية ووقوف القصر على مسافة واحدة من كلّ المرشّحين والأحزاب. كانت الانتخابات مهمّة من زاوية انّها تؤكد ان المسيرة المغربية مستمرة. هناك خطوط عريضة لتلك المسيرة التي نقلت المغرب الى مصاف الدول الآمنة القادرة على التقدّم رغم عدم امتلاكها ثروات طبيعية كبيرة مثل النفط والغاز. تقوم هذه المسيرة على الاعتدال. هذا الاعتدال يسمح للمغرب في تحسين أوضاعه على كلّ صعيد بالارتكاز على الانسان المغربي الذي يظلّ موضع الاهتمام الاوّل للملك محمّد السادس والثروة الاولى للمملكة. تصبّ التجربة الانتخابية في الاستثمار في الانسان المغربي كي يعيش في بلد يلقى فيه كلّ احترام، في بلد يسوده الاعتدال على كل صعيد، في بلد قادر على تقديم نموذج يحتذى به على الصعد العربية والافريقية والإسلامية. فالمغرب صار من البلدان العربية القليلة التي تجرى فيها انتخابات وتتنافس أحزاب لديها برامج تعتمد لغة الأرقام. المغرب فوق ذلك كلّه، بلد تتعايش فيه الأديان والجنسيات المختلفة، كما انّه بلد يصرّ فيه الملك على تحسين مستوى التعليم،مشددا على أهمية اللغات الأجنبية وعلى ان تعلّم هذه اللغات لا يتناقض مع الدفاع عن العربية والمحافظة عليها. ليس صدفة ان تكون الانتخابات جرت في أجواء هادئة. صار مثل هذا النوع من الاستحقاقات الدستورية امرا طبيعيا في المغرب حيث بات الدستور الحديث، دستور 2011، هو الحكم. هناك دستور وهناك ضوابط أيضا. لن يتمكن ابن كيران من تشكيل حكومة جديدة بسهولة رغم ان لديه 125 نائبا من اصل 395، ستكون هناك حاجة الى اخذ ورد وإلى الاخذ في الاعتبار طموحات الأحزاب الأخرى التي ستؤمن أكثرية للحكومة الجديدة. سيتعاون الإسلاميون مع ليبيراليين ومع يساريين من اجل تشكيل الحكومة الجديدة. كلّ شيء في المغرب يجري تحت سقف الدستور وتحت سقف الاعتدال والتوازن. ليس هناك حزب قادر على فرض اجندته وخياراته على الآخرين. الاهمّ من ذلك، انّه ليس هناك من يستطيع الخروج عن الخيارات الوطنية التي في أساسها الدفاع عن المصالح المغربية، على رأسها الوحدة الترابية للمملكة وامن المواطن وحقوقه، خصوصاً حقوق المرأة. كذلك، ليس صدفة ان الأقاليم الجنوبية، أي الأقاليم الصحراوية، شاركت مثلها مثل غيرها في الانتخابات. لم تكن حماسة المواطنين في العيون والداخلة، اقل من حماسة المواطنين في الرباط او الدار البيضاء او طنجة او فاس او مكناس او تطوان او وجدة او الحسيمة... المغرب بلد يتطلع الى المستقبل، فيما غيره من جيرانه في اسر الماضي. لم تكن الانتخابات سوى جزء من هذا التطلع ومن تلك الرؤية التي يتمتع بها محمّد السادس الذي استطاع جعل بلده يتجاوز «الربيع العربي» بطريقة ذكيّة جعلت المغرب من البلدان القليلة التي عرفت كيف تجعل هذا «الربيع» عاملاً إيجابياً وفرصة لمزيد من الالتصاق بثقافة الحياة والتقدّم والتطور والانفتاح على كلّ ما هو حضاري في هذا العالم من دون ايّ عقد من ايّ نوع...

مشاركة :