صخرة ليلى مراد.. «أديمة أوي»

  • 10/11/2016
  • 00:00
  • 33
  • 0
  • 0
news-picture

برة وجوة \بقلم داود الفرحان 2016/10/06 قبل ظهور مواقع التواصل الإلكتروني على شبكة الإنترنت، لم يكن أمام الراغبين والراغبات في التراسل الاجتماعي إلا قراءة صفحات «التعارف» في المجلات العربية الشهيرة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي مثل «الموعد والشبكة والسينما والجيل والكواكب». كانت هذه الصفحات تضم عناوين الراغبين في التعارف وصورهم وأعمارهم وهواياتهم، ويُختتم كل عنوان بعبارة «ومن أنصار عبد الحليم حافظ» أو فريد الأطرش. لم تكن في أيامنا تلك «فتنة طائفية» في المجتمعات العربية، لكن كانت هناك «فتنة فنية» بين حزب عبد الحليم وحزب فريد، وفتنة رياضية بين النادي الأهلي ونادي الزمالك المصريين. وكان بعضنا في العراق أو الخليج أو لبنان أو سوريا لا ناقة له ولا جمل في هذه الفتنة أو تلك، إلا أنه يتحمس لعبد الحليم أو فريد، ويؤيد فريق الزمالك الكروي أو فريق الأهلي. ويتم تبادل الرسائل بين المعجبين بهذا المطرب أو ذاك النادي. وفي بعض الأحيان تبلغ النكتة مداها حين يقول أحد القراء إنه من أنصار الشيخ عبد الباسط عبد الصمد أو الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي أو الشيخ محمد رفعت! ويرتدي بعضنا ثياب الحضارة الجديدة فيقول إنه من أنصار المغني الأمريكي ألفيس بريسلي أو من أنصار النجمة الأمريكية مارلين مونرو. واكتشفتُ بالمصادفة أن باب التعارف في المجلات العربية منقول عن مجلات أوروبية أو أمريكية. فقد لاحظت أن مجلة «سيني موند» السينمائية الفرنسية ومجلة «فوتو بلاي» السينمائية بنسختيها الأمريكية والبريطانية تنشر زاوية للتعارف مع صور الراغبين وعناوينهم ونجومهم المفضلة. واصطدتُ من المجلة الفرنسية عنواناً لفتاة فرنسية بعد أن لاحظت جمالها وإعجابها بمغنية فرنسية قديمة تحتفل في يناير (كانون الثاني) المقبل بعيد ميلادها التسعين اسمها «جوليت غريكو». وكانت هذه المغنية والممثلة تملك صوتاً أجشاً يميزها عن غيرها؛ ما منحها شهرة واسعة في تلك السنوات في السينما والاسطوانات. إضافة إلى أنها كانت ملهمة التيار الوجودي الذي قاده المفكر الفرنسي جان بول سارتر والمفكرة الفرنسية سيمون دو بوفوار. وحين عرضت دار سينما روكسي في بغداد في بداية الستينيات فيلماً فرنسياً عنوانه «شرخ في المرآة» وقف الشباب العراقي الوجودي في طابور طويل لمشاهدته لأنه من بطولة الوجودية «جوليت غريكو». ومن هذا المدخل بعثتُ رسالة بالإنكليزية – الهندية إلى طالبة التعارف، وفوجئتُ بعد أسبوعين بوصول رسالة عليها طوابع فرنسية تبادلني صاحبتها «الإعجاب». وازداد إعجابي بها بعد أن علمت من رسالتها أنها مسحورة بقصص ألف ليلة وليلة وبغداد وبساط الريح. إلا أن إعجابي بها بلغ مداه حين علمت أن والدها المحترم صاحب مصنع للأحذية الفرنسية! وهكذا توكلت على الله وكتبت لها رسالة تاريخية مطلعها: «آي لاف يو»! ومنذ ذلك اليوم قبل أكثر من نصف قرن وأنا في انتظار ردها، وعبثاً حاولتُ الاستعانة بصديق «يدكش» باللغة الفرنسية لتوسيط الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول لحل «المعضلة» كما كنا نقول أو «الإشكالية» كما يتفلسف النقاد هذه الأيام. ومن حينها توقفت عن قراءة باب هواة التعارف ليس لهذا السبب «الوجيه» فقط، وإنما لأنني لا من أنصار عبد الحليم ولا حزب فريد الأطرش، وإنما من أنصار ليلى مراد و.. «أنا قلبي دليلي» و«المية والهوا» و«اتمخطري يا خيل» وجلستها الشهيرة على صخرة مدينة «مرسى مطروح» في أقصى الساحل الشمالي الغربي لمصر المحروسة في فيلم «شاطئ الغرام» مع النجم الراحل حسين صدقي ومن إنتاج عام 1950م. ومن نعم الله على هذه المدينة الوديعة النائية أن تولاها محافظ قبل أكثر من ستين عاماً يعشق ليلى مراد وصوتها الرائع فأطلق اسمها على الصخرة التي غنت فوقها أغنية «يا ساكني مطروح.. جنية في بحركم/ الناس تيجي وتروح.. وأنا عاشقة حيكم»، ثم أطلق اسم الفيلم «شاطئ الغرام» على أحد أهم شوارعها على البحر الأبيض المتوسط. وصارت صخرة ليلى مراد مَعلماً مهماً من معالم السياحة في مصر لا يصل السياح المصريون والعرب إلى المدينة إلا ويهرولون إلى ليلى مراد لالتقاط الصور التذكارية وبقايا الزمن الجميل، ولا يطيب لهم تناول السمك المشوي إلا في مطاعم تحمل اسم «ليلى مراد» وسط شارع «شاطئ الغرام»، أو الإقامة في فنادق هذا الشارع الذي دخل التاريخ بفضل عذوبة وبهجة صوت ليلى مراد. أتذكر أن مذيعة في إذاعة القاهرة سألت منذ سنوات بائع قبعات صيفية في «مرسى مطروح» عن صخرة ليلى مراد فقال لها: إنها صخرة «أديمة أوي» وتعود إلى زمن الفراعنة حين أحب الخليفة رمسيس أميرة اسمها ليلى مراد فأطلق اسمها على الصخرة! ولما قالت له المذيعة إن رمسيس لم يكن «خليفة» وإنما «فرعون» أجابها: أصل القصة «أديمة أوي» وأنا نسيت هو كان خليفة أو فرعون!

مشاركة :