بعض الناس لا يستطيع أن يتخلى عن الألقاب، ويشعر وكأنها انتقاص من ذاته لو تمت مناداته من دون هذه الألقاب، أو حتى باسمه الطبيعي من دون أي إضافات. ما فائدة هذه الاضافات وما الحاجة لها؟ ما فائدة إضافة عبارة «فضيلة العلامة الشيخ»... وذكر الاسم بعد ذلك؟ وبعض الدكاترة لا يقبل بكلمة الدكتور مجردة، وإنما من أول يوم دراسي يقول للطلاب نادوني بفضيلة الدكتور، ويشعر بانتقاص كبير، وفي بعض الأحيان لا يرد على السائل لو ناداه بالاسم المجرد، ويعتبر ذلك بمثابة انتقاص من شخصه الكريم. نعم إنزال الناس منازلهم أمر مطلوب، ولكن المبالغة في ذلك هو خلاف المتعارف عليه، حتى ان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يدخل عليه الغريب يقول له أيكم محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يكن هناك ما يمزه من بين أصحابه، والأمثلة في ذلك كثيرة. هناك أناس كانوا أصحاب مراكز ونفوذ، أو حتى رؤساء تنفيذيون لكبرى الشركات... وبعد التقاعد أو ترك المنصب، لا يستطيعون أن يتكيفوا مع الحياة الجديدة، فدائماً يعيشون في الماضي، حتى أنهم يكتبون بعض المقالات ويذيلونها بكلمة «سابق»، أو آخرون لم يستطيعوا التكيف، فجلسوا بين اربعة جدران لا يغادرون منازلهم. المجتمع الغربي ليس لديه هذه القيود، فتجد بعض الوزراء أو كبار المديرين على مسافة قريبة من الناس، يجلسون معهم بكل أريحية ومن دون تكلف يذكر، ويستخدمون كل وسائل المواصلات. إنه خلق التواضع، وصدق الشاعر، حين قال: تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع ولاتك كالدخـــان يعلو بنفسـه الى طبقات الجــو وهو وضيع حج هشام بن عبدالملك، أحد خلفاء البيت الأموي وكان معه الخدم والحاشية، وأراد أن يقبل «الحجر الأسود»، فلم يقدر على ذلك لكثرة الزحام، فنصب له كرسي وجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان الشام، فبينما هو كذلك، إذ أقبل الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فطاف بالبيت مع الناس، فلما انتهى إلى الحجر الأسود تنحى له الناس حتى تسلم الحجر، فقال رجل من أهل الشام لهشام بن عبدالملك: من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام. وكان الشاعر الفرزدق بجواره، فقال قصيدة طويلة في مدحه مطلعها: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقى النقي الطاهر العلم هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا ويقول الدكتور العودة: كتبت وأنا شاب «حوارا هادئا مع محمد الغزالي» وطبعه بعض الأصدقاء، وكتبوا أمام اسمي بالخط العريض «الشيخ»، بينما لم يحصل الشيخ محمد الغزالي -على سنه وفضله وسابقته- على هذا اللقب في غلاف الكتاب، وكثيرون لا يدرون أني لم أطلع على غلاف الكتاب إلا بعدما تمت الطباعة! عليكم بالتواضع فإنه زينة الرجال. akandary@gmail.com
مشاركة :