شهدت نقابة الصحافيين المصريين، مطلع الأسبوع الجاري، معركة حامية الوطيس بين «الأنصار» ومؤيدين لحزب الأمة القومي السوداني من جهة، والروائي السوداني، حمور زيادة، صاحب رواية «شوق الدرويش»، ومثقفين ونقاد مناصرين له، من جهة أخرى. هل حفيدة عبدالناصر خديوية؟ تساءل الروائي حمور زيادة، رداً على من اتهموا اللجنة التي منحته جائزة نجيب محفوظ في الجامعة الأميركية بالتحيز و«التسييس»، هل عضو اللجنة تحية خالد عبدالناصر، حفيدة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، تنتمي الى الأسرة الخديوية، ومعادية بالتالي للثورة المهدية، حتى يمكن الموافقة على هذا الاتهام. وأشار زيادة الى أن اللجنة ضمت أسماء متقدمة في فكرها، مثل د. شيرين أبوالنجا، ممن ينطبق عليهم القول نفسه. وقال زياد إن المبدع السوري خالد خليفة حصل على الجائزة ذاتها في سنوات سابقة، وكتب في حيثياتها ديباجة عن روايته، من نوع أن العمل يبرز «واقع الاستبداد في سورية»، وهذا لا يعني أن اللجنة «مسيسة» او لديها موقف من الرئيس بشار الأسد، وأن هذا النوع من الديباجات ليس أكثر من رصد عابر. ارتكزت المعركة على كتاب حول رؤية المهدية السلبية في الرواية، للدكتور عبدالرحمن الغالي حمل عنوان «المهدية في رواية شوق الدرويش»، حيث اتهم الأخير حمور زيادة «بتحقير» الثورة المهدية، وبتبني «الرؤية الاستعمارية الانجليزية»، كما اعتبر حصول حمور زيادة على جائزة نجيب محفوظ قد تم بسبب دوافع سياسية تتلاقى مع «السياسات الإمبريالية»، وليس بسبب قيمته الأدبية، فيما دافع حمور زيادة عن نفسه، بالقول إن الهجوم «لم يتعامل مع روايته بمعايير أدبية، وإنما كرأي سياسي»، وأن ما ورد من أقوال في روايته على لسان شخوصها، لا يعني تبنّيه ككاتب أو روائي لهذه الأقوال»، وإنه «أورد الرأي ونقيضه بشأن الثورة المهدية، حسب الشخصية والموقف»، كما أن «نيله الجائزة تم بالحيثيات نفسها التي منحت بموجبها في سنوات سابقة». وقال د. عبدالرحمن الغالي (نائب رئيس حزب الأمة) في مطلع كلمته إن موضوع الكتاب «جزء من الدعاية الحربية الامبريالية التي بقيت بعض آثارها» ضد الثورة المهدية، التي شهدها السودان في نهايات القرن التاسع عشر تزامناً مع الثورة العرابية، والتي ينتمي اليها عائلياً الامام الصادق المهدي، السياسي السوداني المعروف، وسياسياً حزب الأمة، وطائفة الأنصار، اللذان يعتبران امتدادها الفكري. واتهم الغالي مبدع الرواية باستقاء معظم مادته من كتاب «عشر سنوات في معسكر المهدي»، للأب أوهر والدر، مشيراً الى أن حصوله على «جائزة نجيب محفوظ» هو جزء من «التوظيف السياسي والايديولوجي للجوائز الأدبية»، بعد أن نعت الكاتب الثورة المهدية بـ«التطرف والكذب، والوحشية والهمجية، والتخلف». من جهته، أشاد الصادق المهدي بكتاب الغالي المهاجم لـ«شوق الدرويش»، وقال «إنه أوفى بمقاصده السبعة بامتياز، وهي نقد الحبكة، وتصويب الاخطاء، وإثبات اعتماد الرواية على رؤية المخابرات البريطانية، وتوثيق حقائق المهدية، وكشف تهافت لجنة جائزة نجيب محفوظ، وبيان عطاء المهدية الديني والوطني، والربط بين الدعوة المهدية والواقع». وركز المهدي على رؤيته لخطورة الرواية من جهتين «تأثيرها على الوحدة الوطنية السودانية، وعلى الوشائج التاريخية مع مصر». وقال الصادق المهدي، إنه أثناء الثورة المهدية ظهرت كتابات لـ«شيطنة» الثورة، مثل «مسرحية المهدي وفتح الخرطوم» بقلم نجيب حداد، و«تحت العلم» بقلم عبدالرحمن رشدي، والرواية الحالية تصب في الخانة نفسها. على الطرف المقابل، أبدى الناقد شعبان يوسف دهشته من معاملة رواية أدبية باعتبارها رؤية سياسية. وقال يوسف في كلمته إن «كل الوقائع في التاريخ تحتمل أكثر من رؤية، فالثورات والحروب والوقائع السياسية لها مناظير مختلفة، هذا علاوة على أننا أمام رواية تاريخية وليس كتاب تاريخ، ما يزيد اعتبارنا لفكرة النسبية». وقال مشارك جنوب ـ سوداني في الندوة: «إننا يجب ان نستمع لدفاع انصار المهدي عن المهدية كوجهة نظر، لكن دون تخوين من يختلف معهم فيها، كما اننا يجب أن نشجع كسودانيين في الشمال والجنوب، روائياً مثل حمور زيادة، وندع الإبداعات تتفتح». من جهته، قال الروائي حمور زيادة إن مهاجميه أصروا على التعامل مع روايته «شوق الدرويش» بغير المنظور الأدبي. واستطرد زيادة أن «العمل الأدبي لا يعبر عن رأي الكاتب، وانما عن رأي شخوص الرواية، وأن هناك مقاطع في الرواية تمجد المهدي، مع انني شخصياً لا أؤمن به، ومقاطع أخرى تهاجمه، وأنه على سبيل المثال لم يكن بإمكانه ايراد فتاة أوروبية عنصرية في القرن التاسع عشر بالرواية، حتى يأتي على لسانها بكلام تقدمي، أو متعاطف مع الشعوب المستعمرة، وإلا كان هناك خلل في بنية الرواية.
مشاركة :