يعكس الرمز السياسي والإعلامي وحتى الوجيه في المجتمعات طبيعة جوهر المجتمع الذي ينتمي إليه؛ فالمجتمعات المنفلتة والسوقية تبرز رمزاً منتمياً لها وعاكساً لثقافاتها وممارساتها السلوكية، تماماً مثلما تعكس المجتمعات الراقية ما يتمتع به ممثل أو رمز، أو الشخص الذي منحته ثقتها لتمثيلها. من عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعمرو بن العاص، وقبلهما سقراط وأفلاطون، وبعد ذلك جورج واشنطن محرر عبيد أمريكا، والجنرال شارل ديغول قائد تحرير كل فرنسا من الاحتلال النازي، وتشرشل مفجر همم البرطانيين في مواجهة عدوان هتلر، دائمًا يعكس القادة المزايا الفاضلة والقوى الكامنة للأمم، في حين يخفي الطارئون الذين يتسلقون سلم القمة في غفلة من التاريخ ولا يلبثون إلا برهة ثم يتم لفظهم. ومثلما يزخر التاريخ بالعديد من العظماء، تضم صفحاته المظلمة بعضاً من تلك الأسماء التي أغفلها البشر، ولا يتذكرها إلا عند الإشارة لجرائمهم وتجاوزاتهم، إلا أن الذي يجب الحديث عنه، أن تلكم الأشخاص إنما وصلوا إلى قمة السلطة في بلادهم أو احتلوا مركزاً فذلك لأن المرحلة التي تواجدو فيها وطبيعة الأوضاع في بلادهم وأمتهم قد مكنتهم من تحقيق ذلك. فواحد مثل ليبرمان، وزير الحرب في الكيان الإسرائيلي، وقبل ذلك شغل وزير الخارجية، ورئيس واحد من أكبر الأحزاب الإسرائلية، والذي بدأ حياته المهنية حارس ملهى «بودي جارد» مخصص لحراسة العاهرات، وبلطجي يمتهن العراك، إنما هو نتاج لمجتمع إرهابي مغتصب. وواحد مثل دونلاد ترامب الذي صنع مجده وثروته من كازينوهات القمار، ورافقت حياته سلوكيات شاذة وتجاوزات أخلاقية يتباهى بها، خاصة في مغامراته النسائية الشاذة، ما هو إلا نتاج مجتمع لا يقيم للقيم والأخلاق وزناً، وإنما يعتمد نهج الغاية تبرر الوسيلة. ولهذا، لا عجب أن يحظى بتأييد قرابة نصف المجتمع الذي ينظر إليه كمثال لما يمكن عليه الفرد في أمريكا التي يقولون إنها بلاد تحقيق الأحلام، فكل واحد منهم يحلم بأن يكون مثل ترامب بما يملكه من مليارات، ولا بأس أن يكون مثله بلا قيم ولا أخلاق. رجال السياسة ومرشحو الانتخابات ليس وحدهم فقط من يعكسون ثقافة وجوهر مجتمعاتهم، بل من يحتلون مواقع الصدارة في الإعلام والاقتصاد، ويمكن أن تقيم وتصنف المجتمعات من خلال ما تقدم وسائلها الإعلامية من برامج وما تسهم فيه من توجيه لذلك المجتمع، وكيف أنك تجد مقدم برامج يحتل شاشة المحطة الفضائية ثلاث ساعات أو حتى أربعا، وهو يهذي ويشتم ويوزع البذاءات والإهانات على أبناء بلده وعلى كل من يعارضه أو يعارض من وضعه في هذا الموقع.
مشاركة :