لم تتمكن الحكومة التونسية من إقناع نقابات العمال بمقترحها الداعي إلى تجميد الزيادات في الأجور خلال سنتي 2017 و2018 بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد. وأسفرت جلسات التفاوض التي جمعت أعضاء الحكومة بأعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل (كبرى نقابات العمال) عن تأجيل اتخاذ موقف نهائي بهذا الخصوص، وإرجاء الأمر إلى جلسات تفاوض أخرى. وللتأكيد على أهمية هذا الملف بالنسبة للطرفين، فقد جمع الاجتماع الذي عقد بين الطرفين يوم الاثنين الماضي، محمد الطرابلسي وزير الشؤون الاجتماعية (من الوجوه النقابية المعروفة) ولمياء الزريبي، وزيرة المالية، وعبيد البريكي، وزير الوظيفة العمومية والحكومة ومقاومة الفساد (نقابي سابق)، وعماد الحمامي، وزير التشغيل والتكوين المهني، إضافة إلى يوسف الشاهد (رئيس الحكومة) من الجانب الحكومي، وكل أعضاء المكتب التنفيذي لنقابة العمال وعددهم 12 عضوا نقابيا منتخبا. وخلال السنة الحالية، رصدت الحكومة التونسية اعتمادات مالية فى حدود 650 مليون دينار تونسي (نحو 300 مليون دولار) بعنوان الزيادة في الأجور ابتداء من الأول من يناير (كانون الثاني) 2016، كما أقرت برنامجا خلال شهر يوليو (تموز) الماضي وخصصت له اعتمادات فى حدود 300 مليون دينار تونسي (140 مليون دولار) بهدف تفعيل الاتفاقيات السابقة مع الهياكل النقابية، ورصدت كذلك مبلغ 112 مليون دينار تونسي (نحو 55 مليون دولار) بعنوان الترقيات الاستثنائية لفائدة الاساتذة والمعلمين (وزارة التربية والتعليم). إلا أن تراجع أداء القطاع السياحي وانخفاض عمليات التصدير وقلة موارد الدولة الذاتية جعلت الاستمرار في التمتع بالزيادات في الأجور أمرا مستحيلا، على حد تعبير السلطات الرسمية التونسية، وهذا ما جعلها تطلب هدنة سنتين لاسترجاع أنفاس الاقتصاد التونسي الذي يمر بمرحلة ركود. وتمثل كتلة الأجور نحو 45 في المائة من ميزانية الدولة خلال السنة الحالية، وهي في حدود 13 مليار دينار تونسي (نحو 6 مليارات دولار أمريكي)، أي ما يساوي نسبة 14 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وارتفعت كتلة الأجور بنحو 11.8 خلال السنة الحالية؛ وهو ما جعل صندوق النقد الدولي ينتقد سياسة الحكومة التونسية في مجال استعمال القروض، ويؤكد عدم استعداده لمواصلة ضخ السيولة إلى الاقتصاد التونسي في حال تواصل توجيه تلك الأموال نحو تسديد الأجور عوضا عن استعمالها في مشروعات تنمية تشغل العاطلين عن العمل وتساهم في خلق الثروة. وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن النمو في تونس بالنسبة لسنة 2016 وتراجع إلى 1.5 في المائة مقابل 2 في المائة في توقعاته في شهر أبريل (نيسان) من السنة نفسها، غير أنه توقع انتعاشة تدريجية للنمو خلال السنة المقبلة لتصل نسبته الى 2.8 في المائة. وطالب صندوق النقد الدولي تونس بتخفيض عدد العاملين بالقطاع العام من 630 ألفا حاليا إلى نحو 500 ألف موظف عمومي، كما دعاها إلى الضغط على كتلة الأجور وتخفيضها بنحو 12 في المائة، وهي من بين الشروط التي طلبها الصندوق لمواصلة التعامل مع الحكومة التونسية
مشاركة :