الانفصال لم يكن واردا في الخطاب الشعبي الكـردي، غيـر أن انهيار العـراق الـذي بدأ تـدريجيا منذ العـام 1991 أدى إلى أن تتطـور النزعـة الانفصـاليـة بتـأثير الـواقـع الـذي فرض على العـراق دوليا. العربفاروق يوسف [نُشرفي2016/10/14، العدد: 10424، ص(8)] لم ينجح التغيير الكارثي الذي أحدثه الاحتلال الأميركي في إنهاء سوء الفهم القائم منذ عقود بين العرب والأكراد في العراق. فإذا كانت تبعة ما حل بالأكراد من مآس تقع في الماضي على عاتق الحكومات العراقية المختلفة في مشاربها الفكرية وطريقة نظرتها إلى الشعب وحقوقه وكيفية التعامل معه، فإن الأكراد اليوم، وبعد أن تحرّروا من وجود حكومة قوية في بغداد وجيش عراقي وطني صاروا يتصرفون بما يدفع الطرف العربي إلى الشعور بالخوف من أطماعهم. وهم بالرغم من كل ما حققوه من سيادة على أراضيهم بما يشبه سيادة الدول المستقلة لا يزالون يتصرفون وفق الوصفة التقليدية للضحية. وهو ما لا يمكن تفسيره إلا على أساس الاستمرار في الابتزاز التـاريخي الـذي أبدعوا في الاستفادة منه إلى أقصى درجاته. ولم يكن يعنيهم ما يمكن أن يلحقه سلوكهم من أذى بالعراق. لقد كشف سلوكهم العدواني عن حقيقة موقفهم من العراق. وهو ما كانوا يغطونه في أوقات سابقة بقناع الضحية التي تتعرض للقهر والاضطهاد والقمع من قبل الحكومات العراقية. ولكننا نظلم الأكراد شعبا، حين نضعهم في سلة سياسييهم. مثلما صار شيعة العراق رهائن بأيدي الحزبيين الطائفيين، فقد كان الأكراد رهائن بأيدي حزبيين توزعوا عبر العقود بين الطالباني والبارزاني. وهما عدوان يختلفان في ما بينهما في كل شيء إلا في مسألة العداء للعراق. لقد احتكر الحزبان تمثيل الأكراد عبر عقود مثلما تفعل الأحزاب الشيعية بشيعة العـراق الآن. وهـو ما أدى، بالضرورة، إلـى أن تغمر وطنية الأكراد بميـاه الخيانة الدافئة. فلا يكون الحديث عن علاقات الزعامات الكـردية بإسرائيل إلا وصفا لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع في سياقها الطبيعي. “الأكراد ليسوا عراقيين” هذا ما صرّح به أحد الـزعماء الأكراد الكبـار. وهو تصريح يفقـد الأكـراد ولاءهـم للـدولة العـراقية. وهـو ما يوجب على الموالين لبقاء تلك الدولة موحدة وذات سيادة، أن يتخذوا موقفا حاسما من الفئة التي تتنكر لوحدة وطنهم. في مسألة وطنيتهم لم يؤخذ رأيهم. لقد سيق الأكراد كالقطيع إلى مصيرهم. فبعـد الحكـم الذاتي الـذي تنعموا فيه في ظل حكومة البعث صاروا ينادون اليوم بحق تقرير المصيـر، وهـو ما لا ينطبق عليهم حصريا، ذلك لأنهم لم يكونوا يملكون دولة قبل ولادة الدولة العراقية الحديثة. سيُقال دائما إن نوري السعيد، وهو واحد من أهم بناة الدولة الحديثة في العراق، كان كرديا. وهو ما لم يشكل عقدة بالنسبة إلى الشعب العراقي. لقد ساهم الأكراد بعمق في بناء الدولة العراقية الحديثة، وكانوا عراقيين بوفاء انتمائهم. ولم يكن الانفصاليون ليشكلوا نسبة تذكر، حتى في ذروة التمرد الذي أدى إلى نشوب العديد من الحروب التي دفع الأكراد ثمنها غاليا. لم يكن الانفصال واردا في الخطاب الشعبي الكـردي. غيـر أن انهيار العـراق الـذي بدأ تـدريجيا منذ العـام 1991 أدى إلى أن تتطـور النزعـة الانفصـاليـة بتـأثير الـواقـع الـذي فرض على العـراق دوليا، بحيث صار في إمكـان الزعماء الأكراد الحديث علنا عن الـدولة الكـردية باعتبارها حلما شعبيا قديما. وهو أمر فيه الكثير من التضليل. ليس صحيحا القول إن الأكراد كانوا يحلمون بقيام وطن قومي لهم على حساب العراق. كان الحكم الذاتي كفيلا بتلبية كل طموحاتهم. ما حدث واقعا أن الزعامات الكردية وجدت في رفع سقف تلك الطموحات فرصة لابتزاز العراق الجديد الذي أنتجه المحتل الأميركي. وهو عراق ضعيف تحكمه أحزاب طائفية، لا يهمّها منه سوى ما يضمن لها توزيع حصصها من الغنائم في ما بينها بالطـريقة التي نـص عليهـا الدستور العراقي. حلم الدولة الكردية تم تلفيقه من قبل الأحزاب الكردية، ليتم تطبيعه بين الأوساط الشعبية التي عمّها الجهل عبر سنوات الحماية الأميركية. اليوم لم يعد الحديث نافعا في ما يتعلق بانتماء الأكراد إلى العراق، لا لأنهم يرفضون ذلك الانتماء، بل لأن الطرف العربي، ممثلا بشيعة الحكم وسنته يرغبون في التخلص من الأكراد ليتفرغوا لتصفية حساباتهم في ما بينهم. كاتب عراقي فاروق يوسف :: مقالات أخرى لـ فاروق يوسف ألم يكن الأكراد عراقيين؟, 2016/10/14 الخلاص عن طريق الجمال, 2016/10/10 محمد عمر خليل المسافر الأقل خبرة في التفاؤل , 2016/10/09 الموصل تحمل جنازة العراق , 2016/10/05 في خدمة الجمال, 2016/10/03 أرشيف الكاتب
مشاركة :