باختصار... لا تعتقد أيها القارئ انك لست من ضمن المستهدفين الذين يخضعون لعمليات غسيل عقل يومية، وإحلال محل معلوماتك، معلومات أخرى، صدرت إليك وزرعت في دماغك في شكل مدروس جداً! فما يستخدمه الأعداء وغيرهم من تقنيات، يفوق تصورك أو ثقافتك، حتى أنك لن تتساءل كيف تغيرت أفكارك أو قناعاتك؟ أو لماذا صرت تدافع عن قضايا كنت ضدها؟ كل هذا لن تلاحظه، ولن تلاحظ على نفسك أيضاً أنك صرت تمارس عادات جديدة، أو تتبع طرق مختلفة عن طرقك القديمة، فكل ما يرد بذهنك أنك مقنع فقط، وواثق تمام الثقة بما تقوله أو تفعله، وانها حريتك الشخصية التي ليس لأحد الصلاحية في تقييدها! قرأت منذ فترة تحليل أحد المهتمين بهذا الجانب، وأعجبني ما كتبه عن طرق غسيل الأدمغة، حيث لفت نظر المسؤولين والقراء، عما يحدث حاليا من أساليب يتم فيها تشكيل العقل الإنساني على نمط واحد، ودلل على ذلك بمستوى التشابه الذي أصبح بين المجتمعات التي كانت بعيدة كل البعد عن عادات بعضها، في طريقة اللباس والطعام وأسلوب الحياة، وحتى في الاختيارات والتقارب في الذائقة! يعني أن الفكر البشري صار يبرمج بطريقة ما على أسلوب حياة واحدة، وتوجيهه بما يتناسب مع أفكار من يقوم بهذا العمل الخطير جدا، فالإنسان مهما اختلف عنا فكرياً، فله الحق أن يدافع عن فكرته ويمارس حياته، من دون التأثير على معتقداته ، وتوجيهه بما يتناسب مع أجندة البعض. هذا من ناحية... ومن ناحية أخرى، في ما يخص السياسة وما يتعلق بها، فاليوم كمثال عندما نذكر كلمة«داعش» يذهب فكرنا مباشرة إلى تصور أشكالهم، أشخاص ملتحين مسلمين شرسين. وإذا سمعنا بانفجار أو قتل في أميركا أو أوروبا، سينقلنا عقلنا للصورة نفسها التي تم رسمها في الذهن... لرجل عربي مسلم متزمت همجي مسلح. وترانا على الفور ندين أنفسنا بهذا العمل الإرهابي، حتى قبل ظهور النتائج! وننسى عدد المنظمات الإرهابية الغربية التي تمارس إرهابها واعتداءاتها على الناس العزل والحكومات، ومنذ سنوات طويلة حتى قبل ظهور ما يسمى «داعش»! عموماً... ليست هذه القضية فقط التي تم تصديرها لعقولنا. فهناك قضايا أخرى تم مسحها تقريباً من اهتماماتنا بعد أن كانت تمثل القضية الأولى عند المسلمين وهي قضية فلسطين. فالآن ما يهمنا هو ما يحدث في سورية واليمن والعراق، وأمن الدول المجاورة لها! باختصار، تم تشتيت عقولنا بقضايا مروعة تهز القلوب حتى لا يتسنى لنا التفكير حتى في أهم قضايا لدى العرب والمسلمين. عندما تجد انك محاصر بأخبار حرب إبادة، وأخرى إرهاب، وتشريد شعوب، وارتفاع في الأسعار، وقضايا سرقات ونهب، وإصلاحات مؤجلة... إلخ فاعرف أن القضية أكبر من أن نستوعبها جميعاً... حتى أنا كاتبة هذه السطور! anwar.taneeb@gmail.com
مشاركة :