تتصدى رواية «المغاربة» للروائي والمترجم المغربي عبد الكريم جويطي وبجرأة عالية، لسؤال الهوية الحارق، خصوصا في زمن ضاعت فيه أوطان عربية تماما، ولم نعد نرى من أخرى إلا الخراب والدخان والجثث المبقورة أو الممزقة وجحافل الهائمين على أوجههم في البحار وحدود جنات أوروبا. إنه زمن قيامي فتحت فيه أبواب جهنم مشرعة، وأخرج فيه الماضي كل أثقاله وأمراضه ومخازيه التي بقيت فاعلة كنار تحت رماد، فبعد فترة "تحديث" شكلي سرعان ما اكتشف الجميع أن كل ذلك لم يكن بتعبير الرواية نفسها: سوى زخة مطر في آب حارق. إنه زمن طرح الأسئلة الحقيقية على الذات وتقليب الماضي، وملاحقة تشكلات هوية راكمت السيئ والأكثر سوءا، مع إشراقات والتماعات هشة وسريعة العطب. وبما أن الفرح ليس مهنة الأدب، وأن الأدباء يعنون دوما بمن ظلم وبالقضايا التي أسيء طرحها أو تشكيلها والركن المعتمة للأمكنة وللذوات، وبما لا يراد لأحد أن يراه من مهمل ومقموع ومنسي، وبما أن الأدب ينتقد وينغص ويفضح، فإن رواية «المغاربة»، وحين نزلت لمشكل الهوية تسلحت بكل ما يلزم، من معرفة عميقة وشاملة بالتطور التاريخي للمغرب، معرفة امتدت من الجغرافية البشرية إلى وقائع التاريخ إلى السمات الإنتروبولوجية والسوسيولوجية وغيرها التي تميز المغاربة عن غيرهم. ثم تسلحت بقدرة هائلة على تجميع ما هو أساسي وتركيبه ونقده نقدا لاذعا، ومخربا. إننا لا نخرج، بعد قراءة الرواية، بنفس الرؤية التي كانت لنا عن المغرب والمغاربة، وكم يتمنى الواحد أن تكتب روايات عنيفة وقاسية تشرح الخراب، كهذه، عن كل الأوطان العربية، روايات تسقط الأناشيد الفرحة والتواطؤات الكاذبة والإجماع الملفق على تسويق صورة غير حقيقية عن الذات. من خلال أخوين: واحد أعمى والآخر عاد معطوبا من حرب الصحراء المغربية، يتناوبان على الحكي، الأعمى يحكي وقائع عماه منذ إصابته بمرض وهو صغير ومحاولات جده وأخيه ثنْيَ يد القدر عن أن تبطش به. ويحكي العسكري بشذرات مكثفة وعنيفة وقائع خراب حياته وحين لا يجد ما يحكيه يقتطع مقتطفات من كتب تاريخ ومناقب ونوازل، تقول بشكل أبلغ ما أراد قوله عن وطن يهرب من نفسه دوما نحو الماضي ويدفن رأسه في رمل التقليد. أثناء صراع الأخوين مع قدريهما الحزينين سيعود الباشا طه ابن الباشا عبدالسلام وحفيد مؤسس العائلة المتسلطة الباشا بوزكري، من منفاه الاختياري في مصر، وستكتشف بالمدينة مقبرة جماعية، مشكلة بالأساس من جماجم من دون هياكلها العظمية، وستبعث الإدارة المركزية لجنة غريبة لفحصها مكونة من خبير أعمى ومساعده. وحتى يتسنى لهذه اللجنة فحص الجماجم فقد طالبت بنقلها لمستودع مهمل قبالة دار الأعمى والعسكري. سيتعرف العسكري على الرجلين وسيصير نديما لهما ومشاركا في كتابة تقرير عن الجماجم. لم يكن الخبير بالسذاجة التي بدت عليهما في البداية إذ سنكتشف أن وراءهما تجربة سياسية وفنية مؤلمة. ولأن الباشا طه أحس بالملل في مدينة كئيبة فقد اختار مجموعة من العميان الشباب لمنادمته في الليل. كان من بينهم بطل الرواية. من خلال ليالي الباشا سندخل عالم السلطة بغموضه وفظاعاته وألاعيبه. في خضم كل هذا سيحب الأعمى صفية بعد أن سمع صوتها وهي تغني وسيقوده حبه الكبير لها إلى جبل بعيد لخطبتها من أهلها رفقة أعمى محتال سينتزعها منه في النهاية وستنتهي رحلة الحب والأمل بكارثة، شبيهة بكارثة اكتشاف العميان بأنهم لم يكونوا يجالسون الباشا وإنما خادمه الحاج فرح الذي كان يتسلى بهم. إن البطل الحقيقي لرواية: «المغاربة» هو الشعب المغربي في صيرورة التاريخية.. إنها ملحمته ونشيده والتفاته القاسي لنفسه. انشغل النص، أساسا، بالعمى التاريخي الذي يجعل شعبا برمته لا يرى نفسه في مرآة الحقيقة، شعب قدري، تقليدي، لا يحلم ويتأمر في علا الخيال ولا يرى مستقبله إلا في الماضي. كتبت رواية: «المغاربة» بحرفية عالية.. إنها وكما شهد على ذلك العديد من النقاد والقراء المهتمين بالرواية، علامة فارقة في الرواية المغربية والعربية. والكاتب عبدالكريم جويطي من مواليد مدينة بني ملال (وسط المغرب)عمل مديرا جهويا لوزارة الثقافة لمدة طويلة. مكلف الآن بالدراسات في نفس الوزارة. روائي ومترجم وفاعل جمعوي. صدرت له عدة كتب في مجالات مختلفة. ففي الرواية صدرت له :ليل الشمس (جائزة اتحاد كتاب المغرب للادباء الشباب )1991 .زغاريد الموت 1997 (ترجمت للغة الفرنسية) والموريلا الصفراء (2002)كتيبة الخراب (القائمة الطويلة لجائزة بوكر العالمية )2007.ترجم للطاهر بن جلون وخوان غويتيسولو وايميلي نوتمب وغيرهم. وصدرت له كتب عبارة عن محكيات مثل رمان المجانين 1997 و مدينة النحاس 2002.;
مشاركة :