الأدب بلا نقد 1 من 2

  • 10/15/2016
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

كثيرا ما نجد شكوى من الأدباء والفنانين وغيرهم من المشتغلين في الفنون المتعددة من غياب النقد، ونقصد منه الجانب التطبيقي الذي يعالج ما ينتجه المبدعون في شتى المجالات، ويمكن لنا قراءة تلك الشكوى على مستويات عديدة، ولعل أجملها ذلك الذي ينبثق من إدراك حاجة الأدب والفن بعامة إلى النقد، صحيح أن الشعراء مفوهون في فنون الكلام، وصحيح أيضا تلك المهارة المبدعة التي تقوم لدى كثير من الفنانين التشكيليين، ولكنهم أيضا بالمقابل يتفهمون كون القصيدة واللوحة تبوح ما تبوح به وهي صامتة تماما، ذلك أن الشاعر لا يخاطب المتلقي وهو يستخدم اللغة في مهاراتها التداولية، وإنما يذهب بعيدا في إيجاد علاقات متباعدة تترك للمتلقي أن يملأ تلك الفراغات الناجمة عن تلك العلاقة الغريبة القائمة في النص عبر نشاطه الخاص، ويبدو أيضا أن اللوحة تقول وهي تهمس لكل ناظر لها بشيء مختلف ناتج عن حساسية المتلقي الخاصة وذائقته وإمكاناته التي يتواصل بها مع اللوحة. ويظل النقد صاحب الكلام هنا، بمعنى اقترابه من جهتين متباعدتين، حيث يعبر بالمنطق عما لا يحكمه المنطق المعتاد في جدلية تقوم على تفكيك بنية العمل الداخلية وربطه بالحياة الاجتماعية عبر عديد مكوناتها ليخرج مادة عن الأدب ليست هي الأدب، في ذات الوقت ليقول شيئا ما عن ذلك الأدب وينتج معرفة به، ذلك أن الفن بعامة والأدب يقوم ضمن منطقية خاصة به لا يحكم بها على قضايا ما، إذ إن الأدب لا يحتوي على قضايا منطقية، بل يجوز أنه يحمل حالة مضادة لتعرضه للأحكام المنطقية، بمعنى أن استخدام المنطق في فهم الأدب يدمر التجربة الجمالية عند المتلقي، ويكون ذلك الاستخدام مصدرا لأحكام أخلاقية مدمرة للفن بعامة وللأدب بخاصة. وقد نجد اعتراضا يقوم أمام مثل هذا التصور السابق بحيث ينبع من أن الرواية والقصة تقومان ضمن عبارات مفهومة للمتلقي، وذلك صحيح أيضا من حيث مظهر العمل وبنية الجملة المستخدمة، ولكنه غير صحيح من حيث كلية العمل الذي يتكلم عن واقع معقول ولكنه غير متحقق بالمطلق، إذ يقوم ذلك المجتمع وأحداثه في فضاء المتخيل، الأدب ونسيج اللغة ذاتها، ولكنه غير ممكن وغير قابل للتحقق مع معقوليته، إذ إن تشجر الحياة ضمن الفعل الإنساني اليوم قد تحددت بما هو معطى في الحياة التي نعيشها. وربما يتكلم العمل الروائي عن عالم لم ولن يتحقق أبدا، وهو ما نلمسه في الروايات التي تتكلم عن المستقبل المتخيل كما في روايات الخيال العلمي. وتبدو أمامنا أيضا تلك الشكوى من غياب النقد في المستوى الإيجابي، بحيث يقوم على ذلك الإدراك المتحصل من الخبرة الحياتية للمشتكين من غياب النقد، ذلك أن مشاهير الأعمال الشعرية العربية والروائية وغيرها من الفنون، إنما تحصلوا على تلك الشهرة من خلال تلك الأعمال التي اشتغلت على نصوصهم خلال فترات طويلة، ولعلها هي التي تشير إلى واضعي المناهج في المدارس والجامعات إلى عيون الأدب أو ما بات يطلق عليه الأدب الراقي، فنلحظ كثيرا من الدراسات التي قامت حول أدب محمود درويش ونزار قباني والسياب وغيرهم، مما تشير إلى نصوصهم الفائقة، فليس كل ما كتب محمود درويش يعد من الروائع، ولكن النقد هو الذي يشير إلى تلك المقطوعات التي تعتبر من الأدب الفائق، وقد لا يكون النقد هو المساهم الوحيد في ذلك، فيمكننا تحسس دور الأغنية في رفعة وتعميم بعض النصوص، وذلك بالرغم من ارتباط الغناء بالنصوص الهابطة والعامية في معظمه، وقد يكون ذلك منبعا لتحسس كثير من الأدباء والفنانين من غياب النقد، إذ لعلهم يعرفون أين يقفون بالنسبة إلى شجرة الفن العظيمة وأين تقع أعشاشهم في داخل شجرتها؟.

مشاركة :