في السادس من شهر أكتوبر الحالي، وافق البرلمان الباكستاني بالأغلبية على إدخال تعديلات دستورية جوهرية صارمة على قانون العقوبات الجزائية على مرتكبي «جرائم الشرف» وجرائم الاغتصاب. ففي ما يخص جرائم الشرف أصبح الإفلات من العقاب - الذي عادة ما يحدث- صعبا بعد أن حدد التشريع مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر لإنزال عقوبة تصل إلى الإعدام للجاني. وفي قضايا الاغتصاب، قد تصل العقوبة إلى السجن لمدة عشرين عاما. ويمثل هذا التشريع الجديد انتصارا لحقوق الإنسان لكل الباكستانيين وللمرأة الباكستانية بشكل خاص. ذلك لأن النساء هناك وبخاصة الشابات هن من يدفع ثمن هذا التقليد الخارج على أي حكم قضائي أو أخلاقي. في عام 2015 حدثت 1184 جريمة شرف راح ضحيتها 1096 امرأة و88 رجلا. هذا العدد أوضح أن هذا النوع من الجرائم يزداد بشكل متسارع في السنوات الأخيرة. فبحسب هيئة حقوق الإنسان في بكستان، وهي هيئة رسمية، قتلت 432 امرأة و705 أخريات في العام الذي يليه 2013 حتى وصلت 1096 في 2015. هذا التطور المخيف وأشكال تنفيذ الجرائم أمام أعين الناس وبعدم اكتراث من قوى الأمن، إضافة لضغوط الكتل البرلمانية المتمدنة ومؤسسات المجتمع المدني والمحلي والعالمي، كل ذلك، دفع لمناقشة الظاهرة وتقديم مشروع التعديل من أحد أعضاء حزب الشعب الديمقراطي حيث أقره البرلمان بالأغلبية دون الحاجة لرفعه للجهة القضائية العليا كما طالب بعض أعضاء البرلمان المحافظين. وعلى إثر صدور التشريع الجديد، رحبت مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بهذا التقدم واعتبرته نصرا لحقوق الإنسان في العالم وقالت المفوضية على لسان مفوضتها نافي بيلاي: «لن استخدم مصطلح جريمة شرف فلا يوجد شرف في جريمة شرف بقتل امرأة بالطرق التي تحدث». تعقيب مفوضة الأمم المتحدة يعيد إلى الأذهان حادثة قتل مريعة حدثت أمام ساحة العدل في عام 2014 حيث قتلت بالضرب بالحجارة حتى الموت الشابة قزانا بارفين ذات الـ25عاما على يد مجموعة من عائلتها بينما كانت في طريقها للمحكمة لإثبات زواجها شرعا من شخص لم تقبل العائلة به زوجا لابنتهم كما أوردت ذلك جريدة نيشن الباكستانية. المعروف أن جرائم القتل بدعاوى الشرف لا تقتصر على باكستان بل تنتشر في العديد من البلدان وبخاصة في بلدان منطقتنا. وتشترك بلداننا مع باكستان في العديد من التواطؤات في مواجهة هذه الظاهرة الاجتماعية الخطرة ومحاولات التستر عليها وفق نفس التقاليد والأعراف. صحيح أن مقترفي هذه الجرائم يساقون إلى المحاكم في بلداننا إلا أن أغلبية الضحايا هم أنفسهم وبخاصة عندما تحل في إطار «العائلة» بتكتم مزعوم لا يخفي اختفاء شخص عزيز. المؤكد أن أي ظاهرة اجتماعية، حتى لو كانت لا مكان لها بالعقل لأنها ليست سوى اجترار لأفكار بالية، لا يمكن إنكارها وبخاصة عندما تتعلق الظاهرة بحياة الناس وقتل نفس بغير ما أنزل الله. جرائم الشرف أو«غسل العار» كما يقال - وباعتداد أحيانا أمام الناس- واقع ملموس وحوله تواطؤات كثيرة ولا يحب الناس الحديث فيه لأن الحديث فيه «عيب» وقد يثير المواجع. المشكلة في هذه النظرة لن تفعل سوى إثارة المزيد من المواجع. ذلك لأن مثل هذه المواجهة لم تمنع تفاقم الظاهرة لا في باكستان ولا في أي بلد مبتلى باجترار قيم الماضي التي وإن كانت مقطوعة الجذور في الواقع الملموس، إلا أن جذورها مربوطة بشكل مرضي في وجدان الناس بمن فيهم من يستنكرها. المشكلة الأكثر تعقيدا هي أن مصطلح الشرف واسع ولا يقتصر على معنى الجريمة الملتصق بها، بل يمتد إلى فضاءات جذورها راسخة على امتداد تاريخنا «الثابت» في المعنى والمجاز «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. حتى يراق على جوانبه الدم». ومع ذلك، تراجعت مفاهيم أجمل وأنبل من القتل لمصلحة مفاهيم جديدة انبثقت مع معالم «التصالح مع العصر» أو البقاء خارج دائرة دولة القانون. الموضوع لا يخص فردا أو حتى فئة اجتماعية أو قبيلة. الموضوع يخص شعبا ووطنا ودولة تمر بمرحلة انتقالية في عالم مضطرب يقتضي الاحتكام بشكل واضح وصارم لعدم الإفلات من العقاب في موضوع الجريمة، بل يدفع لفضح كل ما من شأنه تسويف الجريمة تحت دعاوى أي امتياز اجتماعي حصري لإنسان على آخر تحت دعاوى نسب أو حسب. لا شرف باقتراف جريمة، بدعاوى شرف. القضاء الصارم وبمعاييره العادلة التي لا تفرق بين رجل وامرأة في الحق في الحياة بعدل أو الموت بعدل لمن ثبت جرمه. لا حق لفرد ولا عائلة ولا فئة ولا قبيلة أن تحكم بالقتل أو بالأذى على الغير - حتى في قضايا خاصة- ما دام هناك دولة وقضاء ووطن ومواطنة.
مشاركة :