مساء الثامن من محرم قدر الله أن ترحل روح فوزان الحمين إلى بارئها، تلك الروح التي أحبت الجميع فكانت مشعلا منيرا لا يهدأ لها بال حتى ترى السعادة على وجوه الجميع. ما بين الزلفي والاحساء وأخيرا الدمام سيرة عطرة مليئة بالكفاح والعلم والتضحية لأسرته ومجتمعه ووطنه. سيرة زاخرة بالمواقف والمبادئ والقيم بدأت في فصول الدراسة لتعليم الناشئة، واستمرت عبر ميادين التعليم ودامت عبر العمل الاجتماعي ولم تنقطع حتى آخر يوم في حياته. كيف لابن تملؤه العاطفة تجاه أبيه أن يتحدث عنه بموضوعية ودون مبالغة ولكني واثق حد اليقين أن من يعرف فوزان الحمين، ويقرأ هذا المقال لن يقول شهادته مجروحة في أبيه، بل سيجزم أنني قصرت في ذكر مآثره فكيف لمثلي أن يحيط بما يفعل أمثاله، ولكن الناس شهود الله في أرضه ولقد كان الناس يحيطون به في المناسبات ويتسابقون إلى السلام عليه، وفاء منهم لرجل أحبهم فكانوا يبادلونه المحبة حبا وتقديرا كبيرا، وحتى بعد وفاته أحاط به الجميع وكان توافدهم على مغسلة الموتى والمسجد بعد ذلك لإلقاء النظرة الأخيرة عليه مشهدا مهيبا، اختلطت فيه مشاعر الحزن على فراقه بمشاعر الفرح على ما يلقاه هذا الرجل من قبول ومحبة ودعاء لا ينقطع. ولك أن تتخيل أي مشاعر تملكت رجلا من الرجال جاوز المائة عام يسارع إلى توديعه والصلاة عليه رغم ما يعانيه من صعوبة التنقل وبلوغه هذا العمر. لم تكن لتسيل دموع رجال ملأ وجوههم المباركة الشيب إلا على من ملكهم بطيبه وأحبوه بقدر حبه لهم. كان رحمه الله كالنخلة ظلالا وارفة وكرما جما وصبرا لا ينفد. ظلالا يظلل على من حوله ومن يلجأ إليه، وكرما يجود بما يملكه ليس بمال بل بما هو أكبر وأعز من المال، وصبرا على نوائب الزمان وما يعتريه. رحل فوزان الحمين وبقيت ذكراه وسيرته عطرة بكل خير ثابتة لا ترحل، وكيف لها أن ترحل والناس (شهود الله في الأرض) لا ينفكون من ذكر هذه السيرة وذلك الرجل. رحلت يا أبي والجميع على فراقك محزون ولكنها إرادة الله على الجميع واللهم إننا راضون ومحتسبون. طبت حيا وميتا وطاب ذكرك أينما حللت وهنيئا لمن ترجل كما ترجلت وغادر كما غادرت ورحل وبقيت ذكراه خالدة.
مشاركة :