المفهوم الصحيح للمرأة..../ هديتها في (يومها العالمي)

  • 3/9/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تواطأ العالم على تخصيص (يوم) في السنة: يحيي فيه المرأة، ويعلي شأنها، ويوسع نطاق الوعي بمكانتها، بعد هضم حقها، والحط من شأنها عبر قرون كثيرة في أمم كثيرة. في الأسبوع الماضي: عادت ذكرى (يوم المرأة العالمي)، إذ حصل التنويه بشأنها في صور كثيرة: في الإعلام والثقافة وغير ذلك من أشكال التنويه ورفعة المقام. لا شك أن المسلمين محتاجون - أيضا - إلى تجديد وعيهم بقيمة المرأة، وسمو مكانتها. فقد غشيهم ما غشيهم من الغفلة المزمنة عن هذا التجديد، وهي غفلة انحرف أصحابها عن (المفهوم الصحيح) للمرأة. وبين يدي النهضة المرجوة للمسلمين في هذا العصر: لا نرى واجبا يتقدم واجب (تصحيح المفاهيم). مثلا: قد يعمد امرؤ أو مجتمع ما إلى طلاء (هواه) أو عادته بطلاء إسلامي، ثم يقول: هذا من عند الله!!، فهل هذه الدعوى هي (الإسلام الحق).. لا.. لا.. لا إلى ما نهاية. فالإسلام الحق هو قال الله قال رسوله، وليس أهواء أو عادات اجتماعية رميما عقيما زنيما تنتحل صفة الإسلام أو تطلى بألفاظه ومصطلحاته. لو أن أحدا من المسلمين: انتكست فطرته، وفسد ذوقه، واختلت معاييره: الكونية والشرعية فأخذ يعشق الأوساخ والروائح الكريهة ويمارسها ويمجدها، وينفر الناس من الطهر والنظافة والروائح الزكية ثم يزعم أن ذلك من دين الإسلام.. أكنا مصدقيه؟! لا والذي خلق الإنسان وفطره على محبة النظافة والجمال.. كلا لن نصدق دعوى هذا الدعيّ، ولو أصيب بالذبحة (الحلقية) من شدة الصياح والصراخ بدعواه الكذوب هذه.. وكيف نصدق ممسوخ الفطرة والمعيار وبين أيدينا تعاليم الإسلام الوضيئة وبراهينه الساطعة التي تمجد النظافة والطهر والجمال.. ومن هذه التعاليم - مثلا - أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله جميل يحب الجمال)). وقال: ((من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)). ولئن نقض الإسلام وأبطل دعاوى إلصاق الأوساخ والروائح الكريهة بالإسلام، فإنه ناقض ومبطل - كذلك - لكل دعوى تنتقص من قيمة المرأة ومكانتها باسم الإسلام. من هنا، فإن أعظم هدية تقدم للمرأة في الاحتفاء بيومها العالمي هي (تحرير المفهوم الصحيح لها). نحن مع قضية المرأة (إذ صح أن قضيتها معزولة عزلا تاما عن قضية الرجل). ونحن مع قضية المرأة لأنه قد نزل بها من الظلم والعسف والاضطهاد ما يجب أن يدان بلا هوادة، وأن يزال بلا تسويف. فالمرأة منا ونحن منها. وليس بصاحب عقل ووعي وضمير من لا يرد هذا الظلم الذي نزل به هو ذاته - كذلك - فإن (السوء في بعضي يسوءني). ونحن مع قضية المرأة لأن هذه القضية شوهت باسم الفهم الخاطئ للإسلام تشويها أطفأ ضياءها، وحط من قيمتها ورتبتها. قلنا: إن أول الأمر - وأهمه - في شأن المرأة هو (المفهوم الصحيح لها). وهذه محاور في تحرير هذا المفهوم الحق: 1 - إن الرجل والمرأة سواء في أصل الخلقة والنشأة: ((خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها)). 2 - إن المرأة مخاطبة بالواجبات والمسؤوليات الدينية والأخلاقية خطابا مستقلا عن الرجل - أيا كانت درجة قرابته منها -. 3 - إن المرأة مسؤولة - باستقلال - عن واجباتها وأعمالها يوم القيامة: لا ينوب عنها في ذلك زوج ولا والد ولا ولد ولا أخ.. وقد تحظى بدرجات ومقامات في الجنة لا يحظى بها الرجال المذكورون آنفا: لحسن اعتقادها، وصالح عملها. ففرعون رجل ذكر، وهو في النار على حين أن زوجته الصالحة في الجنة كما أخبر القرآن. 4 - وقد يعمد امرؤ ما إلى التشويش على هذا المفهوم بمسألة (القوامة). وينبغي ها هنا - كذلك - تصحيح مفهوم القوامة. فهو - في حقيقته - (خدمة للمرأة) الزوجة، أو قيام على خدمتها، كما هو في معاجم لغة العرب، وكما هو في المعتمد من التفاسير (كتفسير ابن عطية). إن (القوامة) ليست ديكتاتورية ولا استبدادا. ففي العلاقة بين الزوج والزوجة ما يمنع الديكتاتورية والاستبداد: أ - فللمرأة الحق في التعبير عن رأيها، وإن خالف رأي الزوج. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو من المهابة من هو. قال: بينما أنا في أمر أتأمره (أشاور فيه نفسي) إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا. فقلت لها: ما لك ولما ها هنا (فيم تدخلك فيما لا يعنيك)، وتدخلك في أمر أريده؟ فقالت: عجبا لك يا ابن الخطاب: ما تريد أن تراجع أنت، وابنتك تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان. ب - إن ديكتاتورية الزوج - باسم القوامة - يمنع منها منهج العلاقة بين الزوجين. فقوام هذه العلاقة هو (المودة والرحمة) وهما صفتان نقيضتان للاستبداد والتجبر. 5 - إن المرأة موسومة بالفطنة اللماحة والذكاء الوقاد في القرآن: أ - شهد القرآن بنباهة وفطنة وسداد رأي بنت الرجل الصالح التي تزوجها موسى عليه السلام: ((فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)). فقد عرفت هذه الفتاة النابهة: - كما قرر القرآن - أن الشرطين الأساسيين لتولي الأعمال والمسؤوليات - ومنها الزواج - هما: القوة والأمانة. ولقد قال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: أفرس الناس (أي أعظمهم فراسة وأربا) ثلاثة، ذكر منهم صاحبة موسى تلك. ب - وشهد القرآن برجاحة عقل ورأي بلقيس ملكة سبأ. قال ابن كثير: قال قتادة رحمه الله: ((ما كان أعقلها في إسلامها وشركها)). وقال ابن عباس: ((قالت لقومها: إن قبل الهدية، أي سليمان فهو ملك قاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه)).. وقال ابن كثير نفسه - في تفسير: ((فلما جاءت قيل أهكذا عرشك)) أي عرض عليها عرشها وقد غير ونكّر وزيد فيه ونقص منه، فكان لها ثبات وعقل وحزم ولم تجزم بأنه هو لبعد صياغته كلها، ولا أنه غيره لما رأت من آثاره وصفاته فقالت ((كأنه هو)) أي يشبهه ويقاربه. وهذا غاية في الذكاء والحزم. ج - وشهد القرآن بفطنة أخت موسى ولباقتها وسداد رأيها: ((وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون. وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون)).. وفي تفسير هذه الآية يقول مجاهد: ((بصرت به عن جنب))، أي من بعيد. وقال قتادة: جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده.. إن الموقف ملآن بما يثير العاطفة الغامرة، وعلى الرغم من ذلك تحكمت أخت موسى (وهي صغيرة السن)، تحكمت في أعصابها، وضبطت عاطفتها، وحكّمت عقلها من أجل تأمين مستقبل أخيها الرضيع.. لقد تصرفت بحياد، وكأنها رأت الرضيع الملقى في البحر مصادفة.. وهذا منتهى الذكاء والفطنة وحسن التفكير والتدبير.

مشاركة :