عندما يفتقد الجمهور الحماسة لأخبار مؤسسة إعلامية كبرى كهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، لأنها لا تقدم له أكثر مما يعرفه، أو قد عرفه قبل أن يشاهد نشرة الأخبار الرئيسية في مساء اليوم، فهذا يعني أن صناعة الأخبار في أزمة داخل أزمة الصحافة التي ترقد في السوق المريضة أصلا. من السهولة بمكان تحليل محتوى النشرة الإخبارية لـ“بي بي سي” لنكتشف العجز الذي أصابها، فقد لجأت -على سبيل المثال- في نشرة الاثنين الماضي إلى تخصيص نصف وقت النشرة إلى استذكار حادث شغب بعد مرور عشرين عاما على حدوثه، مهما يكن من أهمية ذلك الحادث وعدد الضحايا فهو من الماضي، وقيمته الإخبارية تضاءلت إلى حد مجرد استذكاره لا أكثر. السؤال المشروع عن السبب الذي دفع محرر النشرة إلى التركيز على ذكرى إخبارية، هل يكمن في العجز عن صناعة قصة يومية متفاعلة، كيف اقتنع في صنع مادة إخبارية من الماضي؟ “لا أخبار هذه الليلة” حدث مثل هذا الأمر مساء الثامن عشر من أبريل من عام 1930، عندما أعلن مذيع نشرة الأخبار في راديو “بي بي سي”، “لا أخبار هذه الليلة، ليلة سعيدة!”. وانتهت نشرة المساء الإذاعية بمعزوفة على البيانو. مثل هذا الأمر لا يمكن أن يتكرر اليوم، لهذا لجأ الثنائي ميليسا بيل وعزرا كلاين إلى شرح الأخبار في موقعهم الإلكتروني. أرى أن الأزمة ليست في الخبر نفسه، لأن الحياة لا يمكن أن تخلو من الأخبار بغض النظر عن أهميتها، لكن شيوعها بدرجة هائلة، جعلها تفقد تأثيرها بمرور الوقت، فلم يعد بإمكان الصحف في اليوم التالي تقديم طبخة بائتة، ولا بإمكان النشرات التلفزيونية أن تكرر ما بث نهار اليوم في المساء من دون جديد يجلب انتباه الجمهور. السؤال الأكثر أهمية، كيف يستعيد الصحافي أدواته الفاعلة لإعادة صناعة الخبر؟ وتقديمه إلى الجمهور بمواصفات جديدة. عندما ينجح الصحافي في ذلك، عندها سيكون من غير المهم أن نفتح الطريق أمام الروبوت الصحافي ليدخل معنا في منافسة واقعية، هي أقرب إلى مباراة شطرنج بين الإنسان والإنسان الآلي. كرم نعمة karam@alarab.co.uk
مشاركة :