أجرى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، قبل أيام، مقابَلة مع مجلة بلومبيرغ فيوز بمناسبة انعقاد المؤتمر السنوي للوبي إسرائيل في الولايات المتحدة، المعروف بـإيباك، وقال في مقابلته إن على شركاء الولايات المتحدة من السُّنة في منطقة الشرق الأوسط قبول التغيير المقبل في علاقة الولايات المتحدة مع إيران. وبالإجابة عن سؤال الصحيفة حول ما يشعر السُّنة بالتوتر تجاهك؟ قال الرئيس الأمريكي إنه يعتقد أن هناك تحولات تحصل في المنطقة باغتت الكثير منهم (السنَّة)، وأنه يعتقد أيضاً أن التغيير مخيف دائماً، مضيفاً: ما سأقوله هو أنك إذا نظرت إلى التصرفات الإيرانية، تراهم استراتيجيين وغير متهورين، ولديهم نظرة عالمية، ويرون مصالحهم، ويتعاملون مع حسابات الربح والخسارة! بداية نحتاج إلى تفسير هذا التقارب الأمريكي - الإيراني، وهو ما كتب عنه الصحفي عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس بتاريخ 7/ 3/ 2014، قائلاً إن الولايات المتحدة لم تتحدث منذ زمن عن محور الشر، بل عن مداورة مركبة بين معسكرات الصقور الكثيرة في الشرق الأوسط، وهي ترى اللاعبين الجدد في القيادة الإيرانية والرئيس روحاني في مقدمتهم، تراهم شركاء عقلانيين يمكن التعاون معهم وقت الحاجة. وتستطيع الولايات المتحدة -كما يقول هرئيل- في الحقيقة أن تستعين بالإيرانيين في قضايا إقليمية كثيرة لهم تأثير فيها.. وقد تسهم إيران في إقرار الوضع في أفغانستان بعد استكمال خروج القوات الأمريكية من هناك في نهاية السنة، وطهران هي صاحبة أكبر تأثير في حكومة نوري المالكي في العراق. ويقول الصحفي الإسرائيلي إن إيران أولاً، وإيران قبل كل شيء هي جهة ينبغي أن يُحسب لها حسابها في سوريا، مضيفاً أنه لولا دعمها ودعم روسيا لنظام بشار الأسد، لاستسلم بشار منذ زمن لمئات منظمات المسلحين الذين يعملون على إسقاطه، وقد تم دراسة إمكان ضم الإيرانيين إلى المباحثات في جولات المباحثات الأخيرة في مستقبل سوريا التي أجريت في سويسرا أيضاً. أما عن التغيير الذي قال الرئيس الأمريكي إنه يجب على السنَّة أن يدركوه، واصفاً المشهد بأنه تغيير مخيف ومباغت للسنَّة، فنحن نقول إن تحولات المشهد الأمريكي تجاه إيران ليست مباغتة بأي حال، فمن تتبع ولايتي حكم الرئيس جورج بوش، والحروب الأمريكية في البلاد الإسلامية (العراق وأفغانستان)، سيدرك أن هذا التقارب حاصل، وواقع منذ أمد، وليس أمراً حادثاً أو مباغتاً. وقد يكون جزء من المشهد مباغتاً، وهو ما يتعلق فقط بالإعلان عنه، ومداه الذي يمكن أن يصل إليه، فقد كان التنسيق العسكري والحربي، كبيراً، إذا ما قورن بالمستوى السياسي وترتيبات المنطقة الخليجية، وهو ما نظن أنه سيكون محور التقارب في قابل الأيام، على حساب الدول العربية السنِّية. إن التغيير في ذاته ليس مخيفاً، كما يقول الرئيس الأمريكي، بل هو واجب العصر، بالنسبة للدول العربية في علاقاتها مع الخارج، لا سيما الغربي، ونخص بالذكر منه الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك تصور خاطئ، فيما يخص تلك العلاقة، حيث تبدو وكأنها معادلة من طرف واحد، الفاعل فيها فقط هو الطرف الغربي، وأن الدول العربية لا تملك إلا أن تبكي على علاقاتها الآخذة في التقلص مع الأمريكان. فالمعادلة، نعم فيها أطراف قوية، وتملك كثيراً من الأدوات والآليات التي تسمح لها باللعب في مساحة كبيرة من العالم، وبصورة أكثر فاعلية، ولكن هذا لا يعني أن بقية الأطراف هي أصفار كبيرة في المعادلة. إن المطلوب الآن أن نعيد صياغة سياستنا الخارجية، وفق تطورات الأحداث، ومآلات التحالفات التي بدت تتشكل في المنطقة، وأن نثبت للطرف الأمريكي بتحركات متزنة أن العرب السنَّة لا يخشون التغيير ولا يخافونه!
مشاركة :