ليس هناك بديل من الصراحة والمصارحة بين الملك محمّد السادس والشعب المغربي. قبل شهرين واسبوع من الانتخابات النيابية التي أجريت في السابع من أكتوبر الجاري، قال العاهل المغربي مباشرة في خطاب «عيد العرش» يوم الثلاثين من يوليو الماضي، انّه على مسافة من كلّ حزب من الأحزاب وانّ «حزبي الوحيد هو المغرب». أظهرت النتائج ان محمّد السادس كان يضع الجميع امام مسؤولياتهم. وضع الأحزاب امام مسؤولياتها، كما وضع الناخب المغربي امام مسؤولياته. أراد القول بكل بساطة ان المنافسة هي بين برامج حزبية وان على الناخب استخدام عقله والاختيار بين هذه الأحزاب. فاز من فاز في الانتخابات وتراجع من تراجع. استطاع «حزب العدالة والتنمية» ذو الميول الإسلامية الحصول على اكبر عدد من المقاعد. نال 125 مقعدا من اصل 395. حل ثانيا «حزب الاصالة والمعاصرة» الذي يدعو الى دولة مدنية. حصل على مئة مقعد ومقعدين. وهذا جعل منه النجم الصاعد في هذه الانتخابات وقوة قادرة على مراقبة العمل الحكومي، كما يحصل في الديموقراطيات العريقة. توزّعت المقاعد الأخرى على أحزاب مختلفة من بينها حزب قديم هو الاستقلال الذي حلّ ثالثا. بعد اقل من اثنتين وسبعين ساعة من اعلان نتائج الانتخابات، كلّف محمّد السادس زعيم «العدالة والتنمية» عبد الاله ابن كيران تشكيل حكومة جديدة، وذلك تطبيقا لدستور العام 2011 الذي اقرّ في استفتاء شعبي. لا شكّ ان الحزب الإسلامي، الذي يصرّ قادته على انه لا ينتمي الى التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، استفاد كثيرا من انّه حزب منظم وانّ لديه قاعدة ثابتة. استفاد هذا الحزب خصوصا من ان نسبة الاقبال على صناديق الاقتراع لم تتجاوز الـ43 في المئة. وهذا يعني ان هناك تقاعسا لدى الأحزاب الأخرى ولدى النخب المغربية عن الارتقاء الى مستوى التجربة التي تمرّ فيها المملكة منذ إقرار الدستور الجديد الذي كرّس التعددية الحزبية. اختار محمّد السادس افتتاح الدورة الاولى للمجلس النيابي الجديد، حيث ستتحالف أحزاب في ما بينها من اجل تمكين ابن كيران من تشكيل الحكومة المقبلة، للإشارة الى أنّ هناك مشاكل يعاني منها المغرب. لا وجود لاصلاحات من اجل الإصلاحات، بمقدار ما انّ المطلوب التطوير المستمرّ لهذه الإصلاحات من اجل خدمة المواطن. هناك حلقة ناقصة في الاصلاحات مطلوب التنبّه اليها. فقد افتتح العاهل المغربي خطابه بالقول «ان افتتاح السنة التشريعية ليس مجرد مناسبة دستورية للتوجه الى أعضاء البرلمان، وانّما هو منبر اتوجّه من خلاله في الوقت نفسه للحكومة وللاحزاب ولمختلف الهيئات والمؤسسات والمواطنين، كما انّه أيضا لا يشكّل فقط فرصة للتوجيه والنقد أحيانا بخصوص العمل النيابي والتشريعي، بل هو منبر استمع من خلاله لصوت المواطن الذي تمثلونه». كان العاهل المغربي بالفعل صوت المواطن المغربي في افتتاح الدورة التشريعية الاولى لمجلس النّواب الجديد. نقل الى المجلس ما يعاني منه المواطن وما همومه الحقيقية. وعلى المجلس باختصار العمل على تسهيل حياة المواطن. قال محمّد السادس صراحة: «لو كانت الإدارة تقوم بواجبها في خدمة المواطنين وتبسيط المساطر (المعاملات) لما لجأ المواطنون اليّ في عدد كبير من الحالات». ذكّر النواب بانّ «دور البرلمانيين خدمة المواطنين وليس البحث عن خدمة المصالح الشخصية». كذلك، ذكّر بانّه اعطى توجيهات صارمة الى الحكومة بالعمل على انهاء حال التسيّب التي تعرفها الإدارة، كما دعا الى تعويض عادل بالأسعار المتداولة للمواطنين الذين تستغل أراضيهم للمنفعة العامة. لم يتردّد محمّد السادس في التشديد على اهمّية «علاقة المواطن بالادارة»، حتّى في ما يخص الامور البسيطة. بالنسبة اليه، تبقى «النجاعة الإدارية معيارا لتقدّم الامم. وما دامت علاقة الإدارة بالمواطن لم تتحسّن، فانّ تصنيف المغرب في هذا الميدان سيبقى ضمن دول العالم الثالث، ان لم اقل الرابع او الخامس». تساءل العاهل المغربي: «هل سيطلب منّي المواطنون التدخل لو قامت الإدارة بواجبها؟ الأكيد انّهم يلجأون الى ذلك بسبب انغلاق ابوابها او لتقصير الادارة في خدمتهم او للتشكي من ظلم اصابهم». في حال كان لا بدّ من اختصار ما ورد في خطاب محمد السادس، كلّ ما يمكن قوله انه أراد ابلاغ النواب وكلّ من يعنيه الامر ان الإصلاحات السياسية، بما في ذلك «تثبيت التعددية الحزبية» لا يعني الانصراف عن معالجة المشاكل التي تعاني منها المملكة والمرتبطة بالإدارة التي يفترض ان تكون في خدمة المواطن بدل ان تكون منفّرة له. كذلك على هذه الإدارة المساهمة في تطوير الوضع الاقتصادي عبر تسهيل الاستثمارات اكانت من المغاربة انفسهم او من المغتربين او من الأجانب. باختصار، لا يمكن تطوير قطاع معيّن مثل الحياة السياسية والحزبية والعمل الحكومي بشكل عام من دون تطوير للإدارة. كان على الملك تذكير النوّاب بذلك من دون ان يتجاهل الايجابيات التي تحققت، خصوصا في مجال تحقيق المشاريع الكبيرة «التي غيّرت وجه المغرب». كان مطلوبا تذكير النوّاب بانّ هدفهم لا يمكن ان يقتصر على خدمة مصالحهم الشخصية ومصالح الأحزاب التي ينتمون اليها. هناك ما هو اهمّ من ذلك بكثير. المواطن المغربي هو المقصود، عبر إدارة حديثة ومتطورة. خدمة هذا المواطن هي الهدف وليس المماحكات والتجاذبات والمزايدات بين الأحزاب والعمل على تقاسم السلطة والنفوذ بغية تحقيق اهداف ذات طابع شخصي لا اكثر. من المفيد ان ينتهز محمّد السادس كلّ مناسبة لتأكيد انّه نبض الشارع المغربي وانّه يعرف تماما ماذا يدور في الشارع وما يشعر به المواطن حقيقة. ليس كافيا تطوير الحياة السياسية. وليس كافيا ان يعمل كلّ حزب على تطوير نفسه. وليس كافيا تنفيذ مشاريع كبيرة في كلّ انحاء المغرب. وليس كافيا خلق فرص عمل جديدة. كلّ هذه الامور مهمّة، بما في ذلك الاهتمام بتطوير التعليم وضمان حقوق المرأة ومتابعة الحرب على الفقر وحماية الحريات الفردية وضمانها. لا بدّ أيضا من جعل الإدارة المغربية، في ظل اللامركزية الموسّعة، إدارة صديقة للمواطن. مثل هذه الإدارة الصديقة تجعل المواطن، اكان مقيما او مغتربا، اكثر تعلّقا ببلده ومؤسساته. مثل هذه الادراة تجعل المستثمر الأجنبي يقبل على المغرب ولا يبتعد عنه. هل هناك اهمّ من ان يشعر كلّ مغربي بانّ بلده هو المكان الآمن الوحيد الذي يستطيع العيش فيه او العودة اليه في كلّ وقت وكلّ ظرف؟
مشاركة :