الخطاب المغربي ـ الأفريقي لمحمد السادس - مقالات

  • 11/9/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لا يصحّ إلّا الصحيح في كلّ قضيّة محقة مثل قضية الصحراء المغربية التي تعتبر نزاعا مفتعلا لا هدف منه سوى المزايدة على المغرب وابتزازه والنيل من وحدته الترابية. اختار الملك محمّد السادس العاصمة السنغالية داكار ليلقي منها خطابا مغربيا ـ افريقيا يؤكّد عمق العلاقة القائمة بين المملكة والقارة السمراء. تضمّن الخطاب الملكي في الذكرى الواحدة والأربعين لـ «المسيرة الخضراء» التي توجت باستعادة المغرب الصحراء دلالات كثيرة. من بين هذه الدلالات العلاقة المتميزة مع السنغال البلد الافريقي الذي جعل من عودة الصحراء المغربية الى أهلها قضية وطنية بالنسبة اليه. كانت الصحراء قضية وطنية سنغالية بمقدار ما هي قضية وطنية مغربية. الى ذلك، كان توجه محمد السادس بخطابه من داكار دليلا إضافيا الى المكانة التي يحظى بها المغرب في افريقيا والى الاهتمام البالغ الذي يوليه العاهل المغربي للقارة. جاء الخطاب بعد جولة لا سابق لها للعاهل المغربي في دول افريقية شملت رواندا وتنزانيا والسنغال وستشمل مستقبلا اثيوبيا. اتت الجولة لتثبت انّ افريقيا محور جوهري بالنسبة الى ملف الصحراء وذلك على الصعيد الديبلوماسي. فالمغرب عائد الى الاتحاد الافريقي في سياق مبادرة منه وذلك من اجل إضفاء الشرعية على هذه المنظمة الافريقية التي ليست امامها سوى استعادة المغرب الذي لديه ما يقدّمه لها على غير صعيد. في النهاية، هناك قصة نجاح مغربية على كلّ المستويات، خصوصا في مجال الإصلاحات السياسية. في استطاعة افريقيا الاستفادة من قصة النجاح هذه إن على صعيد مكافحة الإرهاب وإن في مجال الهجرة والتنمية الذاتية وحتّى على صعيد المناخ. ليس غريبا ان تكون هناك قمة افريقية تضمّ ثلاثين من رؤساء الدول على هامش مؤتمر المناخ الذي تستضيفه مراكش هذه الايام وهو مؤتمر COP 22، الذي يعتبر متابعة لمؤتمر باريس الذي وضعت فيه استراتيجية متكاملة لحماية البيئة على الصعيد العالمي. لم يعد سرّا ان المغرب يمتلك عمقا افريقيا بفضل المبادرات المستمرة التي يقوم بها وآخرها خطاب داكار الذي توجه فيه الى أبناء شعبه بقوله: «اذا كنت خاطبتك في مثل هذا اليوم من العام الماضي من العيون في الصحراء المغربية، بخصوص افريقيا، فانّي اخاطبك الآن من قلب افريقيا عن الصحراء المغربية. فهذا الخطاب من هذه الأرض الطيّبة تعبير عن الاهمّية الكبرى التي نوليها لقارتنا». تكمن اهمّية خطاب داكار في انّ العاهل المغربي ليس من أولئك الذين يكتفون بالكلام. انّه يعني كلّ كلمة تصدر عنه بدليل ما قدّمه المغرب لدول افريقية عدة من اجل ان تتمكن من النهوض. لم يقدّم المغرب مساعدات إنسانية فقط ولا اكتفى ببناء مدارس ومستشفيات وتوفير خدمات طبّية. ساهم في تعزيز الأمن في دول افريقية عدّة وهو يساعد في تكوين أئمة يمتلكون الفهم الصحيح للاسلام بعيدا عن ايّ نوع من التطرّف. ليس لدى المغرب ما يستحي به. لذلك نجده يوسّع اطار علاقاته الافريقية في كلّ الاتجاهات. لكنّه تبقى للسنغال علاقة خاصة به نظرا الى انّه «بين الدول التي شاركت في الملحمة الوطنية (ملحمة استعادة الصحراء المغربية)، الى جانب دول افريقية وعربية أخرى». استغل محمّد السادس وجوده في داكار ليشير الى انّ «عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي ليست قرارا تكتيكيا ولم تكن لحسابات ظرفية، وانما هو قرار منطقي جاء بعد تفكير عميق. وعندما نخبر بعودتنا، فنحن لا نطلب الإذن من احد لنيل حقّنا المشروع. فالمغرب راجع الى مكانه الطبيعي كيفما كان الحال ويتوافر على الغالبية الساحقة لشغل مقعده داخل الاسرة المؤسسية الافريقية. ان المغرب الذي لا يتدخل في السياسة الداخلية للدول ولا ينهج سياسة التفرقة، يأمل بان تتعامل كل الأطراف مع هذا القرار بكل حكمة ومسؤولية لتغليب وحدة افريقيا ومصلحة شعوبها». ليس سرّا ان هناك من سعى الى استخدام طرق ملتوية لمنع المغرب من العودة الى الاتحاد الافريقي. ليس سرّا أيضا انّ كلّ الوسائل استخدمت في الماضي للترويج لقضية اقل ما يمكن ان توصف به انّها قضية مزوّرة اسمها قضية الصحراء. الهدف كان واضحا كلّ الوضوح ويتمثّل في استخدام أداة اسمها «بوليساريو» لابتزاز المغرب في المحافل الافريقية والدولية تحت شعار «حقّ تقرير المصير للشعوب». قدّم المغرب كلّ ما يستطيع تقديمه لقطع الطريق على الابتزاز الذي يتعرض له والذي معروف من يقف خلفه. لذلك كان محمّد السادس واضحا كلّ الوضوح بعدما وقفت الأكثرية الافريقية الى جانب عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي. قال في هذا المجال: «ان عودة المغرب الى اسرته المؤسسية القارية لن تغيّر شيئا من مواقفنا الثابتة بخصوص مغربية الصحراء، بل ستمكننا من الدفاع عن حقوقنا المشروعة وتصحيح المغالطات التي يروّج لها خصوم وحدتنا الترابية، خصوصا داخل المنظمة الافريقية». لن يترك المغرب هجمات الذين يحاولون الإساءة اليه من دون رد. سيردّ الصاع صاعين بعدما اكتشفت معظم الدول الافريقية من يقف حقيقة معها ومن يساعدها بالكلام فقط، أي عن طريق اطلاق الشعارات الطنانة الفارغة من ايّ مضمون حقيقي. في وقت تجري فيه مشاورات لتشكيل حكومة مغربية جديدة، لم يفوّت محمّد السادس الفرصة لتنبيه الى «انّنا نتطلّع الى ان تكون السياسة المستقبلية للحكومة شاملة ومتكاملة تجاه افريقيا وان تنظر اليها كمجموعة. كما ننتظر من الوزراء ان يعطوا لقارتنا الاهتمام نفسه الذي يولونه في مهامهم وتنقلاتهم للدول الغربية». ذهب الى ابعد من ذلك بقوله: «انّ المغرب يحتاج الى حكومة جادة ومسؤولة. لذلك، انّ الحكومة المقبلة لا ينبغي ان تكون مسألة حسابية تتعلّق بارضاء رغبات أحزاب سياسية وتكوين غالبية عددية، وكأنّ الامر يتعلّق بتقسيم غنيمة انتخابية. الحكومة لها برنامج واضح واولويات محدّدة للقضايا الداخلية والخارجية، على رأسها افريقيا». لا حاجة الى الذهاب بعيدا لفهم أبعاد خطاب داكار للعاهل المغربي. هناك بكل بساطة مبادرات عدة لمحمد السادس رسّخت العمق الاستراتيجي الافريقي للمغرب على الرغم من كلّ مناورات الخصوم التي استهدفت اجتثاث الجذور الافريقية للمملكة. في كلّ يوم يمرّ يتبيّن بالملموس كم ان افريقيا قريبة من المغرب، بل امتداده الطبيعي وكم ان المغرب قريب من افريقيا وكم يستطيع مساعدة دولها وشعوبها في مجالات مختلفة. ما يحصل من تكامل بين افريقيا والمغرب امر اكثر من طبيعي. ما هو غير طبيعي وجود قوى تعمل من اجل الفرقة بين دول القارة من اجل تحقيق مآرب خاصة لا علاقة لها من قريب او بعيد بمصلحة الشعوب الافريقية التي ناضلت طويلا من اجل الوصول الى مرحلة تكتشف فيها زيف أولئك الذين يتاجرون بـ «حق تقرير المصير» لهذا الشعب او ذاك خدمة لمصالح ضيّقة ابعد ما تكون عن الحقّ وكلّ ما له علاقة بالحقّ من قريب أو بعيد.

مشاركة :