المعرفة مشروع حضاري، وعمل إنساني ضروري، وهو حق معنوي للجميع. تتعدد فوائده، وتزداد منافعه للمجتمع. وحينما يثمر لا شك أنه سيحقق غايات عدة؛ تتمثَّل في نضج العقل، وسلامة المنطق، ووضوح الرؤية، حيث تأتي المعرفة كأولى الخطط التنموية التي يحقق الجميع من خلالها تطلعاتهم الإيجابية لمشاريعهم المستقبلية. فالتنمية المعرفية لا يمكن لها أن تتحقق إلا بأن تكون أولوياتها موجهة بالدرجة الأولى إلى الأطفال والناشئة، لأنهم الغراس المبدئي الذي يمكن للباحث والعالم والمعلم أن يقدّم لهم جلَّ هذه الأفكار التي سيتفاعلون معها، وسيسعون من خلالها إلى استيعاب كافة الطروحات التعليمية والعلمية، لينموا معها نمواً طبيعياً، ويحققوا الغاية من قيام مشاريع التنمية في كل المجالات. فالطفل حينما يقدّم له الكثير من المعارف الحديثة، والعلوم المطورة حتماً سيتشرّب هذه القيم المفيدة، والمفاهيم النافعة التي تسمو به نحو فضاء الإبداع والتميز، وليحقق من خلال هذا التعليم المتطور رؤية عصرية تتسق مع ذهنه الذي سيبدأ في تقبل كل ما هو جديد في مجالات المعارف لا سيما ما هو علمي، يخدم مجالات العلم المتعددة كتخصصات الطب والهندسة والإدارة بكافة مستوياتها وأنواعها. فالمعارف العلمية المعاصرة لا شك أنها هي اللبنة الأولى في بناء الموهبة، وتطوير القدرات الشابة، وهي مفتاح سر الإنجازات العلمية التي يحتاجها المجتمع، وهي مصدر خصب من مصادر التميز في الحقل التعليمي الذي سيفرز لنا في النهاية الكثير من العقول النيرة، التي ستحقق لنا عائداً معنوياً في مهام الموهوبين الذين سيثرون التجربة العملية في مجالات كثيرة. فالمعارف والعلوم لا بد أن يرافقها تأهيل شامل ومتكامل لبيئة التعليم الذي يعد هو الحاضن الرئيس لمثل هذه القيم والمعاني التي تحملها المواد العلمية والمعرفية؛ حيث يجدر بالجهات التعليمية أن تهيئ هذه البيئة، وأن لا يكون الأمر مقتصراً على التعليم وحواضنه، إنما يكون في مجال تطوير الصحة، وتأمين الغذاء من أجل أن تكتمل منظومات العمل التعليمي والتثقيفي الذي يوجه للطفل لا سيما في مراحل تعليمه الأولى. كما أنه لا يمكن حصر معارف الطفل بما هو تعليمي، أو تلقيني، إذ من الضروري أن يهتم القطاع التعليمي بجوانب الأداء العملي بشكل إثرائي مختلف، وبأسلوب جديد ومبتكر، لأنه ثبت وعلى مدى عقود أن العملية التعليمية لم تحقق الكثير من أهدافها؛ بسبب أنها اعتمدت على التلقين، والحفظ، والممارسات النظرية الصرفة؛ حتى بات الطفل في مراحل تعليمه الأولى ينشغل بما هو إنشائي قد يخلو من الأهداف العلمية، بل إن المعرفة - وعلى مدى عقود - لم تكن واردة في سياق التعليم بمختلف مراحله، لذلك من البديهي أن ينطلق المشروع المعرفي والتعليمي بمضامين علمية تثري حياتنا، وتعزِّز قيمنا الحضارية.
مشاركة :