«التكنولوجيا الفردية» .. وقود الثورة الصناعية الرابعة

  • 10/17/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

برمجيات بسيطة واتصال إنترنت كل ما يحتاج إليه شاب صغير ليصبح ظلاميا إرهابيا يسيء إلى نفسه وإلى الآخرين. وأيضا هو ما يحتاج إليه الشاب نفسه ليكون فاعلا تنويريا في الثورة الصناعية الرابعة التي يخوض غمارها العالم اليوم بمنتجات تطبيقية تتهافت الشركات والمصارف العالمية للاستحواذ عليها والاستثمار فيها. أفراد يغيرون العالم صورة على بساطتها إلا أنها واقع لم يتأت للعالم إلا بعد ثلاث ثورات صناعية لها أبعاده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ثلاث ثورات يمكن تلخيص حقبها التاريخية بمنجزاتها الأهم. بدءا من محرك البخار مرورا باكتشاف الكهرباء وصولا لتكنولوجيا اتصال رقمي جعلت من العالم قرية صغيرة. ولأن التكنولوجيا متكاملة ولا حدود لاحتمالاتها الإبداعية فقد أفضى هذا التواصل المكثف في العقود الأخيرة من عمر الأرض لواقع ما يعيشه العالم اليوم من ثورة صناعية رابعة عنوانها العريض "التكنولوجيا الفردية". حيث لم يعد من الغريب أو المفاجئ ظهور تطبيقات ابتكارية فردية تغير وجه العالم في كثير من تفاصيله الاقتصادية والاجتماعية وغالبا من غرفة شاب صغير. "إذا كان لنا أن نتجنب نتائج مروعة قد تُفضي إليها التكنولوجيا، فيتعين علينا أن نتصور بشكل جماعي المستقبل الذي نرغب في خلقه". ثورة صناعية رابعة وناعمة لا تحتاج إلى كثير من التعقيدات والبنى التحتية كحال ما سبقها من ثورات. فلا المصانع ولا المعامل ميدانها الأهم ولكنها الفكرة الذكية. التي وجدت بدورها من يواكبها اقتصادية واستثماريا. لنجد على المنوال ذاته استثمارات مالية ذكية تنشئ صناديق سيادية دعما لسوق المستقبل وابتكاراته المحتملة. رؤية تستشرف القادم والمملكة العربية السعودية ممثلة في مجلسها الاقتصادي والتنموي برئاسة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد لم يغب عنها هذا السوق وطبيعته فور البدء في وضع الخطوط العريضة لرؤية السعودية 2030. ليكون الاستثمار في "أوبر" فاتحة الاستثمار في التكنولوجيا الفردية وتنويع مصادر الدخل. ثم كانت الزيارة التاريخية لمعقل التكنولوجيا الفردية وروادها في وادي السليكون. وتوقيع تفاهمات مع شركات مهمة في هذا المضمار مثل "مايكروسوفت" و"فيسبوك" و"أبل". وصولا إلى الشراكة أخيرا مع "سوفت بنك" الياباني لتأسيس صندوق رؤية سوفت الداعم والمستثمر في هذا القطاع من تكنولوجيات العصر. استثمار "ذكي" ورأس مال "جريء" لا غنى لمستقبل الأرض عنه في ظل ثورته الصناعية الحالية. فكيف هو الحال برؤية سعودية تتلمس المكان اللائق بها وبثقلها العربي والإسلامي في مستقبل العالم وطفراته التي لا تتوقف. فإما أن تكون شريكا فاعلا ومؤثرا في صناعة المستقبل بكل الطرق المتاحة ماليا وماديا ومعرفيا، بشكل مباشر أو غير مباشر. وإلا فلتنتظر سيناريوهات متعددة السيئ منها أكثر من الجيد للاستهلاك المكرور، ولتأثير الآخرين فيك. فالقادم دوليا وكونيا وفقا للمختصين مترابط ومتشابك فوق ما نتصور اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا. طريقة عيش مختلفة إذ يتوالى ظهور التكنولوجيات الجديدة بسرعة كبيرة إلى الحد الذي يجعل المجتمعات في الشرق الأوسط، بحسب كلاوس شواب المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي تواجه صعوبة كبيرة الآن في التعامل مع التأثيرات المترتبة عليها. فمن خلال التأثير على كل شيء، من طبيعة العمل إلى المغزى من كوننا بشرا، قد تصبح التغيرات التكنولوجية محيرة ومربكة إذا لم نتعاون على فهمها وإدارتها. موضحا شواب أنه في مختلف أنحاء العالم، تجري إعادة تعريف صناعات بالكامل وإيجادها من الصفر، بفعل التطورات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، والمركبات الذاتية القيادة، والطباعة الثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وعلم المواد، وتخزين الطاقة، والحوسبة الكمية. ما دعى المنتدى الاقتصادي العالمي ليطلق على هذه الموجة من الإبداع وصف "الثورة الصناعية الرابعة"، لأنها تعمل جوهريا على تغيير الطريقة التي نعيش بها ونعمل ونتواصل بها مع بعضنا بعضا. وسوف تستشعر القاهرة، ودبي، والرياض هذه التغيرات بالقدر نفسه الذي تستشعره بها نيويورك، وفرانكفورت، وهونج كونج. فلن تكون الثورة الصناعية الرابعة أقل تحويلية من سابقاتها اجتماعيا واقتصاديا: ففضلا عن تأثير التكنولوجيات الفردية، هناك تغيرات ستشهدها أنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية ستلعب دورا أكبر في تشكيل حياتنا في المستقبل. في هذه المرحلة، لن نجد إجماعا على قضايا أساسية مثل ملكية البيانات الشخصية، وأمن البنية السياسية، وحقوق ومسؤوليات الشركات الجديدة المعطلة للنظم القائمة. تصور مشترك للمستقبل من أجل ذلك ولضمان رخاء منطقة الشرق الأوسط في المستقبل، يتعين على حكوماته ومواطنيه، وفقا لمؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانت التكنولوجيات الجديدة يجري تصميمها وتكييفها على النحو الذي يلبي الاحتياجات الاجتماعية الحقيقية. إذ يتطلب إدماج التكنولوجيات التحويلية في أنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية التعاون الوثيق بين أصحاب المصلحة في الحكومة، والصناعة، والمجتمع المدني. وخلافا لذلك، سوف يتحدد مستقبلنا وفقا لظروف مفروضة علينا لا دخل لحكمنا الجماعي في تشكيلها. وهنا لا يمكن إغفال دور القطاع الخاص، وتسهيلات برنامج التحول الوطني 2020 الداعمة للمنشآت المتوسطة والصغيرة في هذا الجانب. إذ لا يتسنى لأي من أصحاب المصلحة، ولا حتى الحكومات، أن تعالج منفردة كل التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تفرضها الثورة الصناعية الرابعة. فعلى مجتمع الأعمال أن يعمل على إيجاد البيئة التي تسمح للتكنولوجيات بالتطور والانتشار بأمان، ومع وضع الاعتبارات الاجتماعية في الحسبان. وكغيره من اقتصاديي العالم وسياسييه يقر كلاوس شواب بأننا نعيش في عصر بالغ التعقيد، يدعو القيادات في الشرق الأوسط، كما هي حالها في مختلف أنحاء العالم، إلى الأخذ بزمام المبادرة والتحول الشامل في الطريقة التي ننظر بها إلى المشاركة التعاونية من أجل المستقبل. موصيا بالتصور الإنساني الجماعي للمستقبل تجنبا لمفاجآته غير السارة: "إذا كان لنا أن نتجنب نتائج مروعة ربما تفضي إليها التكنولوجيا بسهولة، فيتعين علينا أن نتصور بشكل جماعي المستقبل الذي نرغب في إيجاده".

مشاركة :