في مجموعتها الشعرية الجديدة «على الماء أكتب» (دار الانتشار العربي – بيروت – 2014 ) تختار الشاعرة العمانية فاطمة الشيدي ضمير المتكلم سياقاً لعصفها الشعري الناعم والمشبع برذاذ الماء كي تبوح قصائدها التي تشاء منذ البداية أن تضعها تحت عناوين ثلاثة «نفاف القلب»، «مسوَدات الغرق» و «من الماء إلى الماء». فاطمة الشيدي في قصائد هذه المجموعة الجديدة تنحني على أقنومين رئيسين لتنهل من ينابيعهما معاً: الحنين والذاكرة وتمزجهما بمشاهد الراهن وما فيه من موجودات تبدأ بالطبيعة ولا تنتهي بمفردات الأسى والحب والعيش. قصائد تنتمي في صورة صافية لما يمكن أن أسميه هنا «صوفية معاصرة»، فالشاعرة إذ تحتفل بالحياة تفعل ذلك على طريقتها الخاصة التي تقارب أناشيد بالغة الذاتية تمتزج خلالها اللغة الإنشادية بأفق «واقعي» يجد معادله الفني في استقراء الصورة الشعرية ومنحها مكانتها الأعلى والأهم في البنائية الشعرية كلها. فاطمة الشيدي إذ تبوح وتسرد تلتصق بكل ما هو داخلي حميم لا يغيب إلا لكي يحقق وجوده في جماليات فنية تنتمي لشاعرية البساطة التي لا تفتعل ولا تتكلَف في تعبيريتها المباشرة ولكن المنسوجة من رؤى شفيفة: «سأستفيض فيك وفيَ في ظلام اليأس وفي عافية الموت سأطرز ثوب الحقيقة بمنمنمات الغياب ولن أبكي حين يغرغر الطائر من لهفته» أكاد أقول هي قصائد مائية بمعنى ما فالشاعرة تكتب سطورها بكلمات من رذاذ حيث يستدعي الشعر لغة مختلفة تنتبه لما في البوح الأنثوي من وشائج مع الحياة الطافحة بغزارة حدثها، والتي تثقل على الشعر إن لم تتداركه المخيلة الجامحة واللغة البسيطة، المكثفة والنابضة بحياة لها شكلها الفني المختلف. فاطمة الشيدي في كتابها الشعري «على الماء أكتب» تختار الصعب حين تنحاز الى تعبيرية جمالية تمزج السردية الشعرية بأفق العاطفة المباشرة والتأمُل، وتأمُلها لا يبتغي «حكمة» ما، أو «خلاصات قول» قدر رغبتها في استقصاء المديات البعيدة للألم. هي تكتب من هناك بالذات، من مساحات الألم الفردي في مسارات الحلم والواقع معاً، وقصيدتها لا تكتمل تماماً بل هي ترسم للقارىء باباً يفضي للمخيلة يحتاج أن يدخله القارىء بذائقته ووعيه معاً: «كأنها ليست أنا تسرق كل التفاصيل من سرَة الليل تسردها لعميان الرواة وتشرح الأسرار حين تفيض وحتى المنتهى...». ليست القصيدة في كتاب فاطمة الشيدي الشعري الجديد سوى حوار باتجاهين الأول نحو معنى يتصل بحياتها وتجارب عيشها ورغباتها الفردية، فيما الثاني ينطلق نحو «مكر» الفن في احتفاله بالصورة الشعرية وعلاقاتها مع بعضها البعض ومع ذلك السياق السردي، وهما اتجاهان يذهبان باللعبة الشعرية كلها نحو حضور قوي للمشهدية. أتحدث هنا بالذات عن مشهدية تغتني بتفاصيلها قطعاً، ولكنها تتأسس وتغتني أصلاً بانتباهها للتفاصيل الصغيرة، المتشابكة، بل والممتزجة بما في فن الشعر من برق يلمع ويشير ولا يقول قوله المكتمل أو سياقاته النهائية. فاطمة الشيدي في هذه التجربة الشعرية تكتب من بقعة جمالية خاصة لعلَ أهم ما فيها وضوح معالم الموهبة ووصولها إلى أدوات فنية ذات خبرة وتجريبية لا تغرق في ما هو شكلي وإن أخذت الشكل الفني باهتمام ملحوظ لعلنا نراه واضحاً في جاذبية الصور الشعرية وسلاسة بنائياتها على نحو يمنح القصائد رشاقتها ويمنح الشاعرة والمجموعة ألقاً بهياً ينتسب للشعر بجدارة. الشعرالشاعرة العمانية فاطمة الشيدي
مشاركة :