بوب ديلان... إنسانية جريئة كافأتها «نوبل» أخيراً

  • 10/18/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حين تم إعلان الفائز بجائزة نوبل للآداب لهذا العام، كُنتُ حينها منهمكاً في العمل، غير مكترث هذه المرة على رغم أهمية الحدث وتاريخيته. كيف لا، وهذه الجائزة وقف من أجلها مؤسس المدرسة المحفوظية نجيب محفوظ وعرّاب الفانتازيا ماركيز، وندّه اللدود ماريو فارغاس يوسا، إضافة إلى الشاعر التشيلي الكبير ريكاردو باسولتو، الملقب بـ «نيرودا»، وغيرهم الكثير ممن لا تحضرني أسماؤهم. حينما قرأت الخبر العاجل «المغني الأميركي بوب ديلان نال جائزة نوبل للآداب»، انتابتني موجة ابتسامة كانت مُختزلة منذ سبعة عشر عاماً! أجل، ما زلت أتذكر الممثل الأميركي دانزل واشنطن وهو يتجلّى في تجسيد دور الملاكم الراحل روبن كارتر في فيلمه «الإعصار»، وعن تلك القصة الملحمية التي عاشها ذلك الملاكم للخروج من غياهب السجن وظلمته. ذلك الفيلم علمني أموراً كثيرة، من بينها أن العدالة آتية لا محالة ولو بعد حين، ولهذا السبب ابتسمت بخفية حين سمعت اسم بوب ديلان. في ذلك الزمن الصعب، والذي يبدو من تصوير الأفلام الهوليوودية بأنه زمن لا يُطاق، كان الشاب بوب لا يملك صوتاً يرغمك على متابعة ما سيقول، ولكنه بكل تأكيد كان شاعراً يسيطر على وجدانك، كما لو كان راوية متنقلاً بين كانتونات في القرن السابع عشر. بكل بساطة، أعلن تضامنه مع الملاكم روبن كارتر بأغنية «الإعصار» كتبها مع جاكس ليڤاي، على رغم كونه غير مُلزم بفعل ذلك، ولكنه وعلى رغم كل الظروف العصيبة في ذلك الزمن الذي لا يُطاق، فعلها، فانتشرت الأغنية، وضج لها الشارع مطالباً بإعادة محاكمة الملاكم السجين، مؤمنين بعدالة قضيته. ولم تكن أغنية عادية في الحقيقة، فقد كانت جريئة لحد لا يمكن تخيله، فقد ذكر الشاعر أسمي الشاهدين (بيلو وبارادلي) الحقيقيين، ودور شهاداتهما المزورة وحوارهما المفترض مع الشرطة في تجيير القضية ضد الملاكم المغلوب على أمره. حينما تسمع صوت بوب ديلان لا تملك إلا أن تقول إنه (مغني شيلات) ولكن بصبغة غربية، لكن الحقيقة تكمن في أن شعره ومواقفه الإنسانية الجريئة تضعه في مصاف العظماء الذين تم ذكرهم في بداية هذه المقالة. كنتُ أقول في نفسي «كيف للحياة ألا تكافئ رجلاً مثل هذا؟»، وها هي جائزة نوبل تجيب على هذا التساؤل الذي ظل يدور في رأسي لأكثر من سبعة عشر عاماً! لقد بحثت في «يوتيوب» لأشاهد ردود الأفعال في قنوات الأخبار الأجنبية، كان هناك نوع من الاستغراب، أو دعنا نقول الاستكثار، لحصوله على الجائزة، فالمغني الذي أمضى شبابه في تحريك القضايا الاجتماعية بشعره في الستينات، يبدو أنه يحتاج إلى أكثر من ذلك حتى ينال رضا وقبول الآخرين في الألفية. وقد يكون من باب كونه أميركياً.. انسوا الجنسية يا سادة، فبوب ديلان جنسيته كانت ولا تزال الإنسانية لا غير. وقد تسببت أغنيته هذه، في شكل غير مباشر، في أن يشم روبن كارتر الحرية ولو بعد حين. دعوني أبسّطها لكم كما يلي: تخيلوا لو أن أحدكم حُكم عليه ظلماً بالسجن فترة طويلة على جريمة لم يقترفها، وفي غياهب السجن يسمع بأن شاباً (من عرق آخر) يشكك في عدالة المحكمة والشهود، وأن قضيته عادلة بما فيه الكفاية لتُعاد من جديد، ليس هذا فقط، بل يغامر - قانونياً - بذكر أسمي شاهدي الزور ويشكك في صدقيتهما، وينتهي الأمر أن تُعاد المحاكمة وتسود العدالة - بعد قصة ملحمية بالطبع-.. إنها ليست من قصص ألف ليلة وليلة، لقد قام بوب ديلان بعمل إنساني نادر، أرغمني، وأنا الذي لست مغرماً بأغانيه في الحقيقة، بأن أعجب به وأنتظر عدالةً تكافئه على فعلته تلك.. ما زلت مؤمناً بأن فيلم «الإعصار» قد علمني أموراً كثيرة، من بينها - كما ذكرت آنفاً - أن العدالة آتية لا محالة ولو بعد حين، ولهذا السبب، وبعد سبعة عشر عاماً من الانتظار، ابتسمت بخفية حينما أعلنوا فوزه بنوبل للآداب.. الآن يحق لي أن أتفاءل، فحين ينال أمثال بوب هذه الجائزة - ولو بعد حين -، أدرك أن الحياة لا تسير عبثاً..     * كاتب سعودي.

مشاركة :