بين أول انتخابات أجراها المغرب بعد دستور 2011 وخطاب التاسع من مارس/آذار، والتي انتهت بفوز حزب العدالة وتشكيله بعد ذلك الحكومة للمرة الأولى، في أول سابقة يتزعم حزب له مرجعية إسلامية أغلبية حكومية،، وبين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016، موعد الاستحقاق الانتخابي الجديد، 5 سنوات كانت مختبراً حقيقياً للشعارات والأصوات، تجعل المقارنة بين استحقاقَين ومعالجة المعلومة فيها الكثير ما يمكن الحديث عنه. ويمكن القول إن نتائج السابع من أكتوبر تأتي في سياق مختلف لما كانت عليه سنة 2011، حيث كان المغرب يمر من ظرفية سياسية دقيقة تتميّز بتحولات سياسية كبرى ما زالت جارية وترخي بظلالها بين الفينة والأخرى على المشهد السياسي المغربي والعربي بصفة عامة، وطموح غير خفي للديمقراطية ولترسيخها ورغبة القوى بالبلد بعدم الرجوع إلى الوراء، وذلك بربط كل المرحلة عندما عبر شباب 20 فبراير/شباط عن شعارات تختزل مطالب الشعب المغربي المتطلع إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، تطلعات ما زالت تتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي وبالشارع وتخمر في حركة هادئة هادفة، تنبئ بقدوم موجات أخرى من الحراك لا محالة في ظل الاحتقان الاجتماعي المستمر رغم كل التغييرات الحالية والوعود المقدمة. ورغم الانتقادات التي وجهها حزب العدالة والتنمية لوزارة الداخلية في موضوع هذه الانتخابات وما صاحبها من اتهامات وبلاغات توضيحية للإدارة في سابقة من نوعها، اتهامات سابقة للموعد من قبيل القوانين الانتخابية وتقسيم الدوائر المحلية، أو أثناء الحملات الانتخابية أو الخروقات التي شابت عملية التصويت، وهي انتقادات واسعة من كل الأطياف تؤكد أن وزارة الداخلية لم تقطع بشكل كامل مع الممارسات السابقة في صنع الخريطة السياسية وتورط رجالاتها وأتباعها في توجيه الناخبين، وغض الطرف عن استعمال المال الحرام في أكثر من منطقة. في كل هذا بنكيران أو الحزب بشكل عام، وفي المحطتين معاً، وبعد الفوز "يطوي" الصفحة وتختفي كل الاتهامات وتبدأ السيناريوهات والاتصالات والتوافقات وتهدأ العاصفة. العين الفاحصة ترى المخيف في هذه الانتخابات والباعث على القلق والتوجس، وهو نسبة العزوف العارم الذي عرفه الاقتراع، وهو ما اعتبره السيد بنحمزة، الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال، "مؤشراً غير مريح"، في تصريح للكثير من وسائل الإعلام، وأضاف أن على النخب والأحزاب أن تعود له بشكل دقيق، وتقف وقفة طويلة لتحليله وتحديد أسبابه؛ لأن نسبة المشاركة الرسمية المعلن عنها والمتمثلة في 43 في المائة لم تكن مريحة وتعد ضعيفة جداً، خصوصا أنها ارتفعت فجأة في الساعتين الأخيرتين دون سابق إنذار، وهي التي وصلت 10 في المائة عند الزوال. نسبة من التصويت ضعيفة تشكل قطيعة المواطن مع صناديق الاقتراع، ونوعاً من الغضب وعدم الثقة في المنتخبين وبرامج الأحزاب ووعودها، وهو ما يدل على انعدام الثقة في العملية السياسية والانتخابية الحالية بكل شروطها وظروفها وممارساتها وخطابها المتردي الذي شهد به الجميع، وذلك في غياب الضمانات الحقيقية التي يمكن أن يوفرها الدستور الجديد، وكذا القوانين المؤطرة أو صلاحيات البرلمان والحكومة التي ما زالت مدار جدل، خصوصاً إذ رأينا القبول بمشاركة فيدرالية اليسار الديمقراطي هذا الاستحقاق، مطالبة بالملكية البرلمانية وبإعطاء صلاحيات حقيقية للمؤسسات المنتخبة؛ لتعكس إرادة المواطن وتربط المسؤولية بالمحاسبة، بعيداً عن منطق الوصاية الذي ما زالت تمارسه جهات عليا، سواء بالجهة أو الجماعات أو سن القوانين والمشاريع والقرارات الاستراتيجية. في نفس الوقت لا ننسَ أن هذا الموعد تميز بحضور إعلامي وازن ودولي والسماح للمراقبين الدوليين بتتبع العملية إلى جانب نظرائهم المغاربة. وإذا كانت هذه الانتخابات قد كرست تفوق حزب العدالة والتنمية بزيادة ما يزيد عن العشرين مقعداً، وحزب الأصالة والمعاصرة الذي تضاعفت نتيجته في خمس سنوات بشكل قياسي "55 مقعداً" لم يعرفه أي حزب من قبل، وهي نتيجة يحاول بها الاستمداد من شرعية انتخابية مطلوبة، في مشهد انتخابي لطالما عانى فيه كثيراً لاتهامه بولادة قيصرية جعلته محط انتقاد كبير لم ينتهِ لحدود الساعة، ثم الحركة الشعبية التي أضافت ما يقارب العشرة مقاعد. أما أكبر الخاسرين ودائماً باحتساب عدد المقاعد، هو حزب الاستقلال الذي تراجع بنحو أربعة مقاعد رغم احتلاله المرتبة الثالثة وهي غير سهلة بتاتاً، يليه حزب التجمع الوطني للأحرار الذي تراجع، ثم الاتحاد الاشتراكي الذي فقد تسعة عشر مقعداً بعدما كانت 39 سنة 2011، وتقهقر حزب التقدم والاشتراكية الذي لم تكن نتيجته مرضية وربما فقد جزءاً من هويته اليسارية بارتمائه في حضن الإسلاميين، والذي أصبح مقعداً خلفياً لحزب البجيدي، ولم يربح شيئاً من تحالفه معه سوى إن وجد مقاعد وزارية معه وفاء من الإسلاميين بوعدهم له، حيث ذهبت منه 6 مقاعد، وكذا تراجع الاتحاد الدستوري بأربعة مقاعد، مقارنة بنتائج 2011. المقاطعون سابقاً، والملتحقون تواً، أي فيدرالية اليسار المشكلة من 3 أحزاب، هي: الطليعة، والمؤتمر الاتحادي، والاشتراكي الموحد، فقدوا أربعة مقاعد من انتخابات 2007 "كانت لديهم ستة مقاعد"، والآن لديهم مقعدان فقط، وهو ما يعد مؤشراً غير سهل، وتراجعاً للخطاب اليساري بالساحة بمقابل صعود الإسلاميين تدريجياً، هذا تغيير طفيف في الأحزاب الصغيرة، جزء منها اختفى بعد ما اندمج في تشكيلات حزبية أخرى أو لم يحصل على أي مقعد، ومنها الذي صعد، هذا فضلاً عن المقاطعة الواسعة التي خاضتها جماعة العدل والإحسان والنهج، والتي تحدثت في بيان عن نسبة مقاطعة تجاوزت 70 في المائة، بحسب من يحق لهم التصويت، وهم 26 مليون ناخب مغربي. وللتذكير فالذين سيتمكنون من تشكيل فريق برلماني هم: البجيدي، البام، الاستقلال، الحركة الشعبية؛ لأن القاعدة القانونية تقول: "لكي يتمكن الحزب السياسي في المغرب من تشكيل فريق برلماني، ويطرح الأسئلة في المؤسسة التشريعية، عليه أن يتوفر على 20 مقعداً على الأقل". بالنسبة لعدد الأصوات، فهناك زيادة نسبية طفيفة غير مريحة رغم أن الأرقام لحد الآن نسبية وغير نهائية ومشكك فيها من كثير من المراقبين الذين استغربوا صعودها في ظرف ساعتين قياسيتين، وهو ما يعد مستحيلاً بلغة الأرقام، لكن المحاضر تملكها جهة وحيدة، وهي من يمكنها نفي أو إثبات كل ما يروج، لكن بالرجوع لمؤشر 10 في المائة الذي سجل زوالاً، وبالنظر للتوجيهات الحزبية التي أمرت المواطنين والمناضلين بالتوجه صباحاً للاقتراع ووجود كل الأمناء العامين في الفترة الصباحية، وغياب أي طوابير أو صفوف انتظار، ومقارنة باستحقاقات سابقة التي كانت تصل إلى 12 أو 15 في المائة على الأقل، كل هذا يبعث على القلق كما سبق وقلنا، وعليه فنسبة العزوف مهولة جداً. لتبقى السيناريوهات في تشكيل الحكومة المقبلة مفتوحة على كل الاحتمالات، ويبقى التوافق مع الاستقلال أو البام هو العنوان الأبرز في تشكيل الحكومة المقبلة أو بقية الأحزاب، دونما أن ننسى الحليف التقدم والاشتراكية الذي ما زالت آثار الغضبة الملكية تطغى على كل أخباره، والذي رهن مستقبله الانتخابي بالإسلاميين رغم الاختلاف الأيديولوجي. تشكيل تحالف يعني القبول بالشروط وتقديم التنازلات؛ لأن نمط الاقتراع لا يسمح بالحصول على أغلبية مريحة تمكن العدالة والتنمية من تطبيق برنامجه الانتخابي الذي عرضه على المواطنين لوحده. وهو ما يفتح الباب لما يسمى الابتزاز والجهات العليا والعودة لمنطق التماسيح والعفاريت. أو بفشل الحزب في تشكيل تحالف، ويفتح الباب لإعادة الانتخابات. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :