لاحظنا في المقال السابق كيف أنه، ورغم رفض صلاحية غالبية الإصلاحيين من قبل مجلس صيانة الدستور، فإن نتائج المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، كشفت عودة للتيار الإصلاحي مدعوما من قبل تيار الاعتدال إلى الحياة البرلمانية. في قراءاتنا الأخرى لهذه الانتخابات يلاحظ أن المشاركة الانتخابية جاءت متقاربة مع المجلس في دورته التاسعة. ففي حين كانت المشاركة في الأخيرة بنسبة 64 في المائة، جاءت المشاركة في البرلمان العاشر بنسبة 62 في المائة. الملاحظ دائمًا أن زيادة نسبة المشاركة تسير دائمًا في خانة الإصلاحيين. ويتجلى ذلك بشكل عام في المدن الكبرى. فقد ساهم ارتفاع نسبة المشاركة من 37 في المائة في انتخابات البرلمان التاسع إلى نسبة 53 في المائة في انتخابات البرلمان الحالي في طهران، إلى فوز جميع من كانوا في قائمة الأمل التي تمثل تيار الإصلاح والاعتدال، وبالتالي فقدان الراديكاليين ثلاثين مقعدا. ولكن ورغم ذلك لا يزال للراديكاليين حضورهم في المدن والقرى البعيدة عن المركز. ما تقدم لا يمكن فصله أيضًا عن الإشارة إلى أن عدد من يحق لهم التصويت قد زاد بنسبة مليوني ناخب، حيث دخل هؤلاء مؤخرا السن القانونية لحق التصويت وهي 18 عامًا. من الملاحظ أيضًا أن شبكات التواصل الاجتماعي لعبت دورها في رفع نسبة المشاركة، وتحديدا لتيار الإصلاح والاعتدال. فجاء التليغرام بوصفه اللاعب الرئيسي في الفضاء الإلكتروني في هذه الانتخابات. وقد ساهمت القنوات والحسابات في التليغرام المؤيدة لذلك التيار بنسبة 78.4 في المائة في الانتخابات، بينما كان نصيب التيار الراديكالي 31.6 في المائة. يلاحظ من خلال الصور التي التقطت لأولئك الذين كانوا يتوجهون إلى صناديق الاقتراع، حملهم قوائم أُعدت من قبل القوى السياسية، وهو ما انعكس على المزاج الداخلي في إيران، وخصوصًا في المدن الكبرى، بحيث أصبح التصويت قائما على تلك القوائم الانتخابية، وهي خطوة تحسب لتيار الإصلاح والاعتدال، الذي عوض غياب رموز سياسية معروفة في الانتخابات بعد رفض صلاحيتهم، بضم الشخصيات الأقل شهرة وخبرة سياسية في قائمة موحدة مدعومة من رموز الإصلاح والاعتدال. فيما يتعلق بحظوظ المرأة في هذه الانتخابات فقد استطاعت 14 سيدة الفوز بمقاعد في البرلمان العاشر. ومن المرجع زيادة هذا العدد في انتخابات الإعادة. بالنظر إلى عدد 75 نائبا مستقلا، فإنه يمكن القول إن مفهوم مستقل لا يعني أنه لا يوجد لهؤلاء ميول أو توجهات سياسية، فقد لاحظنا في البرلمان السابق أن معظم أولئك المستقلين انتهى بهم المطاف إلى الانضواء تحت مظلة التيار الراديكالي. وعلى أي حال فإن هذا الرقم مضافا إليه 67 مقعدا سيتحدد مصيرها في انتخابات الإعادة، يشكلان قرابة نصف مقاعد البرلمان وبالتالي ثقلا ملموسا وترجيح كفة لأي تيار. من الحقائق الأخرى التي تؤخذ في الحسبان أن انتخابات الإعادة غالبًا ما تقل فيها نسبة المشاركة، وبالتالي ينعكس ذلك إيجابا على التيار الراديكالي. أضف إلى ذلك أن التنافس سيكون في الدوائر البعيدة عن المدن الكبرى التي يتجلى فيها ثقل تيار الإصلاح والاعتدال. فطهران أصبحت خارج الحسبة، والتي فاز فيها هذا التيار بنسبة 100 في المائة. وكلما ابتعدنا عن المدن الكبرى، قل حضور هذا التيار. فأصفهان ورغم أنها من المدن الكبرى، فإن تأثير تيار الإصلاح بها، لم يكن مثلما هو الحال في طهران. فقائمة الأمل حققت فقط 60 في المائة، فكيف بنا حين نتحدث عن باقي المدن والأرياف والقرى. إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثيرها في تلك الانتخابات، فإنه يمكن القول أيضًا إن ذلك التأثير يتجلى في المدن الكبرى، بينما تأتي وسائل الإعلام والمنابر الدينية لتشكل تأثيرا أكثر في المناطق البعيدة. وبالتالي ما الذي يمكن أن يتجلى خلال المدة المتبقية لانتخابات الإعادة؟. هل ستشهد ارتفاعا بنسبة الناخبين، وبالتالي تسير في مصلحة تيار الإصلاح والاعتدال؟ هل للتليغرام دوره القادم، أم من الممكن حجبه من قبل النظام الإيراني لتضييق الخناق على التيار المنافس؟ هل سيدفع النظام بقوى الباسيج التي يحق لها التصويت لترجيح كفة المنتمين للتيار الراديكالي؟ وهل من الأساس يحتاج النظام الإيراني لترجيح كفة الراديكاليين في البرلمان، أم يترك المجال لإبراز شكل الديمقراطية، وهو يدرك جيدًا أن هذا البرلمان عاجز عن التأثير بقوة في مجالات الحريات والصحافة والإنترنت، وستأتي مخرجاته وفق ضوابط النظام، كما يدرك أن هذا البرلمان لن يؤثر مطلقا على السياسات الخارجية للنظام الإيراني؟ في انتظار ما ستسفر عنه جولة الإعادة.
مشاركة :