عبد الله السناوي: ثورات الجياع ليست مستبعدة ولا تضبط مواعيدها على يوم محدد

  • 10/19/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يقول الكاتب والمحلل السياسي، عبد الله السناوي، إنه في التقدير العام لن يحدث شيء جوهري وخطير في ١١ نوفمبر المقبل، الموعد المحدد لثورة الجياع، غير أن ذلك لا يعني، عندما يمر اليوم، أن انفجارات الجوع باتت مستبعدة، فقد تحدث بأية لحظة عند أي احتكاك يولد شرارات غضب تمتد كالحريق. ويرى السناوي، أن دعوات التحريض على شبكات التواصل الاجتماعي لا تصنع ثورة جياع ولا صرخات الفزع على شاشات الفضائيات تمنعها، ولكن لا يعقل إسناد أية احتجاجات اجتماعية، بغض النظر عن أحجامها، إلى «أهل الشر» لا «أهل الحاجة»، أو إلى نظريات المؤامرة لا حقائق الإخفاق. ويشير الكاتب في مقاله المنشور اليوم، الأربعاء، بصحيفة الشروق، إلى أنه رغم خفوت الدعوة وعدم تبنيها من أية قوى مدنية، فإن تفلت الأعصاب في بعض الدوائر الرسمية وبعض الفضائيات يعكس قلقا زائدا مما قد يحدث، وفى أية ترجمة سياسية، فإن  ذلك اعتراف بالمستوى الخطير الذى باتت عليه الأزمة الاجتماعية واعتراف آخر بإخفاق السياسات المتبعة على نحو فادح. ويؤكد المحلل السياسي المصري، أنه باليقين فإن مستوى الدعم والرهان على تحولات 30 يونيو تراجعت بفداحة، غير أن ذلك يمكن تصحيحه بالانفتاح على الإقليم وترميم الأزمات مع الخليج والحديث مع إيران ومحاولة تخفيض التوترات مع تركيا بما يستدعى إعادة بناء السياسة الخارجية من جديد. ويصل الكاتب، إلى القول، بأنه فى مواعيد الخريف هناك فرصة ما لطى صفحة أزمة الدولة مع شبابها بالإفراج عن المعتقلين السلميين وفق قانون التظاهر، ولا يمكن أن ينجح مؤتمر الشباب المزمع عقده في غضون أيام إذا لم تسبقه قرارات تطمئن أن صوت المستقبل مسموع وأن أنين المظلومين واصل. نص المقال: ليست هناك «ثورات جياع» تضبط مواعيدها على يوم دون غيره. الجوع لا يحسب ويرتب ويخطط وانفجاراته عشوائية لا أحد يعرف متى وأين وإلى أى مدى.هذه بديهية بالنظر إلى سوابق التاريخ. فى التقدير العام لن يحدث شىء جوهرى وخطير فى (١١) نوفمبر المقبل، الموعد المحدد لثورة الجياع.غير أن ذلك لا يعنى، عندما يمر اليوم، أن انفجارات الجوع باتت مستبعدة، فقد تحدث بأية لحظة عند أى احتكاك يولد شرارات غضب تمتد كالحريق. بصياغة أخرى، لا دعوات التحريض على شبكات التواصل الاجتماعى تصنعها ولا صرخات الفزع على شاشات الفضائيات تمنعها. رغم خفوت الدعوة وعدم تبنيها من أية قوى مدنية، فإن تفلت الأعصاب فى بعض الدوائر الرسمية وبعض الفضائيات يعكس قلقا زائدا مما قد يحدث.في أية ترجمة سياسية ذلك اعتراف بالمستوى الخطير الذى باتت عليه الأزمة الاجتماعية واعتراف آخر بإخفاق السياسات المتبعة على نحو فادح..الاعتراف المضمر لا يعنى مواجهة الحقيقة.في المسافة بينهما تتجلى دعوات القوة المجردة لمواجهة أي احتجاج اجتماعي محتمل. قد تستطيع القوة أن تجهض تحركات محدودة غير أنها لا تقدر على مواجهة أية حرائق تمتد في بنية المجتمع باتساع رقعته. .وعندما تغيب السياسة فإن كل شىء محتمل. لا يعقل إسناد أية احتجاجات اجتماعية، بغض النظر عن أحجامها، إلى «أهل الشر» لا «أهل الحاجة»، أو إلى نظريات المؤامرة لا حقائق الإخفاق..كما لا يعقل تصور أن التشهير بـ«يناير»، كأصل كل مؤامرة!، يصلح لمواجهة الموقف الصعب، فهو يضرب بقسوة فى جذر الشرعية حتى يكاد أن يجتثه. في هيستيريا القلق الزائد جرى التحريض على اعتداءات جسدية بحق شخصيات عامة، ذكرت بالاسم، بتهمة الانتماء إلى «يناير» وتصدر مشاهدها الأولى..مثل هذا النوع من التحريض رخص سياسي وإعلامي، فضلا عن أن عواقبه تفضى إلى تقويض أى اعتبار للدستور والقانون وحقوق المواطنين في الأمن والسلامة ولفكرة الدولة نفسها. الأخطر أنه يفضى بقانون الفعل ورد الفعل إلى استباحة مضادة وتوفير بيئة حاضنة للعنف وربما الإرهاب. أسوأ استنتاج ممكن عندما يمر هذا اليوم بسلام الاستخفاف بسيناريو ثورة الجياع حتى تداهم الجميع على غير انتظار. الإشارات تتواتر في الأنين العام للفئات الأكثر عوزا وضجر الطبقة الوسطى والرضا العام يتآكل وكل شىء في انكشاف بلا خطاب سياسي مقنع أو تماسك وطني ظاهر. وتلك أوضاع لا تستقيم ولا تستمر. إنتاج الأزمات بات من طبيعة مستويات الأداء، ومن أزمة لأخرى يتأكد العجز الفادح. وهذا من دواعي تفاقم السخط العام بالنظر إلى تراجع الثقة فى كفاءة مؤسسات الدولة وقدرتها على الاضطلاع بأدوارها الطبيعية. في مواعيد الخريف تساؤلات عن الطابع السياسي لضغوط صندوق النقد الدولي بظل غياب التوافق الوطني.. السياسة وحدها هي التي تصنع التوافقات الوطنية التي تحمى وتصون، تصحح وتصوب. إذا لم يتقلص دور الأمن في الحياة العامة، فإننا داخلون إلى الحائط لا محالة.. بصيغة أخرى، الإصلاح المؤجل انفجار مستعجل. في مواعيد الخريف هناك قلق بالعالم العربي على المستقبل المصري، فلا بالوسع الرهان عليه أو التخلي عنه. بعيدا عن النظم السياسية وحساباتها فإن النظر من بعيد على مستويات الأداء والكفاءة لا يطمئن. باليقين فإن مستوى الدعم والرهان على تحولات 30 يونيو تراجعت بفداحة، غير أن ذلك يمكن تصحيحه بالانفتاح على الإقليم وترميم الأزمات مع الخليج والحديث مع إيران ومحاولة تخفيض التوترات مع تركيا بما يستدعى إعادة بناء السياسة الخارجية من جديد. بالتعريف السياسة الخارجية جزء من العمل الوطني الداخلي، ولا يمكن أن تتأسس هيبة في الإقليم إذا كان الداخل ممزقا وأية قواعد دستورية فيه مستباحة وشعبه تلوح أمامه احتمالات انفجارات جياع. وفى مواعيد الخريف انزعاج مكتوم عن مستوى الأداء في الدولة المصرية بدأ يطرح نفسه بدوائر غربية.. بحسب دبلوماسي مصري مخضرم فإنه قد استمع من مسئولين في وزارتي الخارجية الأمريكية والفرنسية إلى شىء من الاستغراب البالغ من طريقة إدارة أزمة «تيران» و«صنافير»، بغض النظر عن الطرف صاحب الأحقية في ملكيتهما والسيادة عليهما. كفاءة الأداء العام من مقومات هيبة الدول وتراجعه ينذر بسيناريوهات خطرة ينال من مصر ويتداعى إلى إقليمها..في الانزعاج تساؤلات حول مستقبل الحكم وقدرته على الإمساك بمقاليد الأمور، وما العمل بعده؟ الدول لا تنتظر، ومن الطبيعي أن تتأهب لحماية مصالحها، وربما تضغط بما هو فوق طاقة الحاضر بالورقة الاقتصادية..إذا لم يكن هناك توافقات وطنية فإن ما سوف يحدث في اليوم التالي قد يتجاوز العوم الممكن إلى الغرق المؤكد. تحت عبء السجل المصري في الحريات العامة وحقوق الإنسان تقوضت صورة الحاضر في الميديا الغربية والأوساط الأكاديمية والبحثية والمنظمات الحقوقية.ولذلك تداعياته في حسابات المستقبل.أيا كانت المصالح الاستراتيجية فإن أحدا في الغرب لا يقدر على الجهر بعدم أهمية السجل الحقوق. وقد كانت انتخابات لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب رسالة غليظة جديدة بأنه لا أمل في اضطلاع البرلمان المصري بأية أدوار في إصلاح السجل المتدهور. بدت انتخابات تلك اللجنة بأجوائها ومشاحناتها استطرادا للعقلية القديمة التى تطلب شكلا بلا مضمون، وتحشد عشرات النواب لضمان السيطرة الكاملة على لجنة يمكن أن تلعب دورا في الرقابة على تجاوزات الأمن وفتح ملفات الانتهاكات. ننسى ــ أحيانا ــ أن العالم يتابع ونهدر دائما كل الفرص المتاحة لتحسين الصورة المتدهورة. في مواعيد الخريف هناك فرصة ما لطى صفحة أزمة الدولة مع شبابها بالإفراج عن المعتقلين السلميين وفق قانون التظاهر..لا يمكن أن ينجح مؤتمر الشباب المزمع عقده في غضون أيام إذا لم تسبقه قرارات تطمئن أن صوت المستقبل مسموع وأن أنين المظلومين واصل. ونفرط ــ أحيانا ــ في مؤسسات دولية تعمل في مصر دون أن يكون هناك أدنى سبب مقنع. خسرنا ــ أولا ــ المقر الإقليمي للجنة الأممية لحقوق الإنسان التي ذهبت لعاصمة عربية أخرى.. وكدنا نخسر ــ ثانيا ــ المقر الإقليمي للصليب الأحمر، لولا تنبه في اللحظة الأخيرة واستقبال رئيسه في «الاتحادية».. ونوشك أن نخسر ــ ثالثا ــ عند نهاية هذا العام المقر الإقليمي لواحدة من أكبر المؤسسات الدولية التي تعنى بالديمقراطية والانتخابات «أيديا»، سكرتيرها العام رئيس وزراء بلجيكا السابق «إيف لاتيرم»، ومجلس أمنائها يضم وزراء خارجية (٢٩) دولة من بينهم: «البرازيل» و«كندا» و«شيلى» و«فنلندا» و«ألمانيا» و«الهند» و«أندونيسيا» و«اليابان» و«السويد» و«أسبانيا» و«البرتغال» و«النرويج» و«المكسيك» وجنوب أفريقيا. المثير أن تلك المؤسسة التي توشك أن تغلق أبوابها في القاهرة دعت رسميا مصر للمشاركة فيها كعضو مراقب أسوة بالوضع الذى اكتسبته اليابان، وهذا يتيح لوزير الخارجية المصري فرصة التواصل غير الرسمي مع وزراء خارجية الدول المؤسسة مرتين في السنة. في بلد لا تحكمه قواعد حديثه يصعب الرهان على أي مستقبل.. هنا ــ بالضبط ــ مكامن الخطر في مواعيد الخريف الصعبة.

مشاركة :