لقد انتهت الحكاية قبل أن تبدأ، فعن أي شيء جديد تبحثون غير توصيل مندوب يخدمكم أو مجاهد ينوب عنكم في المعارك المقدسة، المجالس ذات الأغلبية الحكومية بالصوتين والأربعة كلها حُلّت، والمجالس المفصلة بالصوت اليتيم والمثخنة بوعود الإنجاز ورفاهية المواطن خلصت إلى جيب المواطن وانتهت بالحل أيضاً، فما الذي تبحثون عنه كل مرة؟ إذا كان المطيع المطواع رحل قبل أوانه فما الضامن أن يكمل المجلس القادم سنواته الأربع؟ إذا كان المطيع المطواع لم يتحمل بضعة أصوات ضعيفة حاولت تلوين أصوات القاعة، فما الذي تتوقعونه من رموز المناكفة الطائفية والتأجيج السياسي؟ أعلم أن الموازين تصب لمصلحة الحكومة وأدرك تماما أن فلاتر المحاسبة ستقيها الكثير من الأذى، لكنني أكرر السؤال بصيغة أخرى: إذا كان مجلس السوابق الحميدة لم يتحمل وجود خمسة نواب "مختلفين" فما الذي سيفعله المجلس القادم مع السيد محمد هايف وثلة من السيوف المجربة؟ من المؤكد أن القراءة السياسية لقرار الحل المبكر فضّلت المخاطرة بنجاح بعض "السالكين رغم فلتر الصوت الواحد" الآن بدلا من تزايد أعدادهم مع نهاية العمر الطبيعي للمجلس المنحل بعد ثمانية أشهر، ذلك أن التعامل معهم سيكون أهون بكثير من التعامل مع أقلية شبيهة بأقلية مجلس 2009، وهو ما يعني دخول الحكومة في مأزق الانكشاف الحقيقي لقدراتها وتوديع بعض وزرائها أيام الوقفات الطاووسية داخل المجلس. تلك القراءة لا تخص الحكومة وحدها، لكنها تتشابك مع حسابات رئاسة المجلس القادم التي ستتعقد كثيرا بوصول عدد كبير من غير المرغوب فيهم، سواء في عملية اختيار الرئيس أو في طريقة الأداء الخارج عن المنهج "الرئاسي"، لذلك كان الحل المبكر هو نقطة التلاقي بين الحكومة ورئيس المجلس السابق. إن هذه الحالة المتواصلة من الاهتزاز في المشهد السياسي، لم تولد غير الإحباط عند الطاقات القادرة على العطاء، فطالما أن "الحل" هو المصير المحتوم لجميع المجالس السابقة منذ مجلس 2003م، وطالما أن التغييرات والنكوص في تطبيق السياسات والمشاريع والقوانين، فأي بذرة أمل يمكن أن تنبت في هذه التربة؟ وأي بيئة أعمال تستطيع التوسع في مثل هذه الأجواء؟ إن التشمت والاستهزاء أمر يسير مع بشر آثروا التقلب في مواقفهم وتحصنوا من الشعور بوجود (يوتيوب، وتويتر، وبي دي إف)، لكن محاولة تقديم أو رسم ملامح المستقبل هي المهمة الأصعب، وهنا يبدو أن المعطيات الحالية على الساحتين المحلية والخارجية وتراكمات السنوات قد أحكمت سيطرتها على صورة المجلس القادم. واقع محلي شرب من كأس الطائفية وأدمن عليه، محيط ساخن متوتر طائفيا وسياسيا، أسود وفهود متحفزة من الطائفتين والسوق مزدهر، نظام انتخابي سيئ يفتت الأسرة قبل العائلة ويبتلع كل طرح وطني ديمقراطي جامع، نهج ثابت في الإدارة الحكومية يتعامل مع الحاضر بأدوات الماضي ويخطط للمستقبل باستعمال البلورة السحرية. لقد انتهت الحكاية قبل أن تبدأ، فعن أي شيء جديد تبحثون غير توصيل مندوب يخدمكم أو مجاهد ينوب عنكم في المعارك المقدسة، المجالس ذات الأغلبية الحكومية بالصوتين والأربعة كلها حُلّت، والمجالس المفصلة بالصوت اليتيم والمثخنة بوعود الإنجاز ورفاهية المواطن خلصت إلى جيب المواطن وانتهت بالحل أيضاً، فما الذي تبحثون عنه كل مرة؟ وما الوهم الذي يدفعكم لتصديق الكلام نفسه؟ أترى هو اليأس؟ ربما. في الختام هل تصدقون أن المجلس القادم وما سيجري فيه سيقودان الحكومة إلى خيار تفتيت الصوت الواحد إلى "ربع صوت" لكل ناخب؛ لضمان تمثيل أفضل للأقليات وتوفير القدر الكافي من التعاون بين السلطتين لتحقيق التنمية المنشودة؟ وأعلم أنكم ستصدقونها.
مشاركة :