وثق رحالة وديبلوماسي هولندي، معروف بحبه لحياة البادية والشعر العربي، لحظات تغزله في زوجته، من خلال أبيات بـ«الشعر النبطي»، حاول نطقها لكن بـ«لكنة سعودية»، امتزجت فيها الرومانسية بالطرافة، في مقطع فيديو لاقى انتشاراً واسعاً بين السعوديين والخليجيين على موقع التواصل الاجتماعي «يوتيوب». ويظهر في الفيديو الديبلوماسي الهولندي بول مارسيل كوربرشوك، الذي يُعرف نفسه «عاشق الصحراء العربية»، وهو يقدم باقة من الورد إلى زوجته، متغزلاً فيها بأبيات من الشعر النبطي، يقول فيها «قلبي شايب والنبض يرجف في انتظاره.. وده إنه يرجع للي كان فاتي»، لترد عليه زوجته بابتسامة، وبلغة عربية «شكراً». ويعد مارسيل أحد المستشرقين المتخصصين في الحضارة العربية، درس في جامعة القاهرة في السبعينيات من القرن الميلادي الماضي، وتخصص في الشعر والتراث العربي، عمل بعدها في الرياض، إذ استهواه «الشعر النبطي»، ليجوب بعدها صحراء النفود منذ أكثر من 30 عاماً، لامس فيها الحضارة البدوية التي عشقها، وأطلق عليه أبناء قبيلة «شمر» اسم «مرسال»، لينسب نفسه إليها فيما بعد بـ«مرسال الشمري» العاشق للجزيرة العربية. ويعبر مارسيل عن حبه للصحراء العربية في أحد حوارته التليفزيونية قائلاً: «هذه ديرتي.. أحس نفسي بدوي، وأحيانا شمري،.....عندما أكون في هولندا في فصل الشتاء والدنيا ظلام، والناس مستعجلة ذاهبة إلى شغلها، تعود أفكاري إلى النفود والصحراء والجزيرة العربية». أتاحت لمارسيل فرصة عمله ديبلوماسياً في العاصمة السعودية، زيارة حي النسيم (شرق الرياض)، حيث تعلم هناك «الشعر النبطي» ولهجة البدو على مدار أربع سنوات، ليقوم بعدها برحلة إلى صحراء النفود، عاين فيها الأماكن التي ذكرها شاعر العرب الجاهلي إمرؤ القيس في معلقته الشهيرة «قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل، بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ»، معتبراً أن ذلك جعله يدرك أن «كل شيء له معنى». أدار مارسيل ظهره للمدنية وحياة الترف الأوربية، ليقع في غرام مجالس البادية وحلقات الشعر لما فيها من «عذوبة الحديث وتعلم الصغار للتراث الشفهي في المجلس، مستفيداً من ذلك في نسج مختلف الحكايات، التي لا تلقى لمجرد التسلية وحسب، بل لما فيها من حكمة وفائدة». وتحدث مارسيل عن رحلته في الجزيرة العربية في كتابة «البدوي الأخير»، عن قبائل عربية عدة، مثل: شمر، والدواسر، وعتيبة، والعادات الاجتماعية لتلك القبائل، وآثار الشعر النبطي فيها، وحاول من خلالها أن ينقل تفاصيل الحياة اليومية للبدوي، كما عايشها بنفسه، متأثراً بشدة كرم العربي مع ضيفه. وخلال رحلته في الجزيرة العربية، بحث الرحالة الهولندي عن شاعر في وادي الدواسر يجهله الكثيرين، وصفه في كتابه بأنه «محبوب، عنيد، قوي، منعزل عن الناس، لا يحب المجالس المملوءة بالناس، ولا يكثر مخالطتهم، والشعر وسيلته الوحيدة للتعامل معهم»، هو الشاعر عبدالله بن محمد بن خزيم من قبيلة الدواسر العريقة، والمكنى بـ«الدندان». إذ ترجم له قصائد عدة إلى اللغة الهولندية، وألف عنه كتاب مستقل لاغراض اكاديمية عن الشعراء الأميين ممن لم يحظوا بأي درجة من التعليم. ويوثق "البدوي الاخير" لحظة زيارة كوربرشوك لـ "الدندان" وهو على فراش مرضه الأخير، واهداءه نسخة من الكتاب الاكاديمي عنه في طبعة فاخرة تزينها صورته بزيه المحلي. يرى مارسيل أن «الشعر في الجزيرة العربية نشاطاً يمارسه الجميع»، لافتاً إلى أنه «ليس ثقيلاً أو مملاً، بل أنه من أكثر الأشياء طبيعية عند السعودي أن ينعش حديثه بالتحول إلى شكل القصيد»، مؤكداً أن الشعر لدى العرب «هو قاسمهم المشترك في أفراحهم وأتراحهم، في مآثرهم وأيامهم التليدة في غزواتهم». ويعتبر كتاب مارسيل نقضاً للصورة الرومانسية عن الصحراء العربية، فهي كما رآها «لم تعد تلك الصحراء التي قرأت عنها، بعدما غزتها التكنولوجيا وفرضت عليها الشركات الكبرى قيوداً مشددة تمنع البدوي من العودة إلى أسطورة فارس الصحراء».
مشاركة :