النسخة: الورقية - دولي انتقل لبنان من مرحلة تلقي مضاعفات الصراع في سورية الى مرحلة التحول الى ساحة في هذا الصراع. اذ لم يعد الأمر يقتصر على التدخل العسكري لـ «حزب الله» على جبهات القتال في سورية، والتفجيرات الارهابية في مناطق شيعية، بل بات طرفا الصراع يتواجهان في الاراضي اللبنانية الحدودية. ففي مقابل قصف قوات النظام السوري لمنطقة عرسال السنية، أطلق معارضون من داخل الاراضي السورية قذائف صاروخية على بلدة بريتال الشيعية. والمرجح ان يتزايد هذا النوع من الاشتباكات مع احتدام معركة القلمون. بما يجعل الساحة اللبنانية اكثر التهاباً ويفرض على المسؤولين اتخاذ مواقف حاسمة من هذه التطورات. ولهذه المسألة اهمية مضاعفة هذه الايام التي تشهد الجدل حول صيغة البيان الوزاري للحكومة الجديدة، خصوصاً لجهة النص على التزام «إعلان بعبدا» الذي يدعو الى النأي بالنفس عن النزاع السوري وعدم التدخل فيه. في حين ان «حزب الله» وحلفاءه يدفعون في اتجاه اتخاذ موقف من الصراع بذريعة التصدي للارهاب والتكفيريين. هكذا يصبح التحول في طبيعة انعكاسات الصراع السوري على لبنان سبيلاً من اجل استبعاد «اعلان بعبدا» من البيان الحكومي، كما اعلن «حزب الله» رغبته في ذلك اكثر من مرة. ولتحل محل «الاعلان» صيغة تبرر الانخراط في الصراع السوري والتدخل فيه. في الغضون، عاد «حزب الله» لمناسبة الغارة الاسرائيلية على احدى قواعده على الحدود اللبنانية - السورية، للتهديد بالرد. لتعود شعاراته المتعلقة بمواجهة اسرئيل لتتصدر الجدل في لبنان. وهذا بدوره يرتبط بالجدل حول صيغة البيان الوزاري في هذا الشأن. ففي موازاة ان تستعيد الدولة حقها في موضوع الحرب او السلم مع اسرائيل، يتمسك «حزب الله» بما يسميه الثلاثية الذهبية، اي «الشعب والجيش والمقاومة»، والتي تعني عملياً ابقاء مفتاح الحرب والسلم في يدي الحزب. هكذا، يستغل «حزب الله» تطورات ميدانية تضغط على الوضع العام في لبنان، وتضغط ايضاً على المؤسسات الشرعية، خصوصاً رئاستي الجمهورية والحكومة، من اجل فرض وجهة نظره في الجدل الذي يشهده البلد، وخصوصاً البيان الحكومي حالياً. لا بل يمكن الاعتقاد ان هذه التطورات جاءت في الوقت المناسب للحزب من اجل معاودة إطلاق حملته لاستعادة هيبته ونفوذه، بعد التنازلات الكثيرة التي قدمها من اجل تسهيل تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام. وربما يصح التساؤل هنا عن مغزى تسهيل التشكيل وتعقيد صيغة البيان الوزاري. ربما يكمن الجواب في اختلاف الظروف وقراءة الحزب لها، في ضوء مصلحة المحور الايراني - السوري. لكن المهم بالنسبة الى الوضع اللبناني، هو تثبيت ان الكلمة الاخيرة تبقى في الضاحية الجنوبية، وليس في مكان آخر، لا في القصر الجمهوري ولا في السرايا الحكومية ولا في ساحة النجمة. وهذا ما يمكن استنتاجه من تلك الحملة التي يقوم بها «حزب الله» او عبر اعلامه وحلفائه على الرئيس ميشال سليمان. فالرئيس الذي دخل المرحلة الاخيرة من ولايته يرغب في تأكيد اولوية الدولة والدستور في ادارة شؤون البلاد، وفي تأكيد الصفة الدستورية الجامعة لرئاسة الجمهورية. ما لخصه في عبارة «الأرض والشعب والقيم المشتركة هي الثلاثية الذهبية الدائمة للوطن». وتأتي الحملة على الرئيس الذي يعتقد ان من البديهي ان يتمسك بأولوية الدولة والدستور من اجل كسر هذه البديهية، وإبدالها بأخرى تقوم على ما يصدر من الضاحية وما يخدم النظام الايراني وامتداداته، خصوصاً في سورية ولبنان. في هذا المعنى يكون تصلب «حزب الله» في صياغة البيان الحكومي والحملة على رئيس الجمهورية وجهين لعملة واحدة، هي ان سياسة الدولة ترسم في الضاحية وان المصلحة التي يعبر عنها الحزب تتقدم على الدستور. وهذه الخلاصة يضعها الحزب، عشية بدء السباق للانتخابات الرئاسية المقبلة، كدفتر شروط على اي مرشح يطمح فعلاً بالوصول الى قصر بعبدا.
مشاركة :