النسخة: الورقية - دولي لم تكف مواهب وزير الخارجية الأميركي جون كيري كنازع ألغام في تغيير الوضع بالنسبة إلى حلفاء واشنطن في آسيا. وكيري الذي تعرض إلى ضغوط من جيران القوة العالمية الثانية القلقين من المطالب الإقليمية المتزايدة من جمهورية الصين الشعبية، حاول الدفاع عن قضيتهم عند الرئيس الصيني شي جيبينغ. لكن التقدم الوحيد الذي تحقق يتعلق كما يبدو بكوريا الشمالية. تأمـــل الولايات المتـــحدة دائماً بتعـــاون أفضل مع الصين، الحليف الوازن الوحيد لبيونغ يانـــغ، لإقناع نظام كيـــم جـــونغ أون بالتخـــلي عن برنامجه النووي. وأعلن كيري أن المحــادثات مع الرئيس الصيني كانت «بنّاءة جداً وإيجابية جـــداً وشعرت بالارتياح للفرصة التي أتيحت لنا في تناول مفـصل لبعض التحديات التي تشكلها كوريا الشمالية». بيد أنه لم يشر إلى العلاقات بين بكين وجيرانها الآخرين في بحرَيْ الصين. وتزعم الصين سيادتها على بحر الصين الجنوبي كله تقريباً بما فيه المناطق النائية جداً عن شواطئها، مثيرة بذلك قلق الفيليبين وفيتنام. لكن العلاقات تدهورت منذ سنة تدهوراً أشد في الشمال مع الجار الياباني الكبير. وإعادة كيري تأكيده أن الجزر التي تتنازع الصين واليابان عليها، تشملها معاهدة الأمن التي تستدعي تدخل الولايات المتحدة في حال تعرض حليفتها اليابان إلى هجوم من بلد ثالث، لا يبدو أنها تركت انطباعاً عند المسؤولين الصينيين. لو شاهد كيـــري التلفزيون الصيني ما كان ليلاحظ أي جديــــد. ويلاقي النجاح عرض مسلسل «الفارس» المناهض لليابانيـين الذي يصور اجتياح الجيش الياباني للصين في ثلاثينات القرن العشرين، في السياق ذاته الذي عرضت فيه الجــــمهورية الشعبية مسلسلات مشابهة منذ السبعينات. ومقــــابل معلم الكونغ فو صاحب القدرات «الخارقة» الذي يمزق أجساد الجنود اليابانيين وسط حمام من الدماء، يخوض ديبلوماسيون صينيون يرتدون الملابس الرسمية وربطات عنق، حرباً تنطوي كذلك على مشاعر عنيفة حيال اليابان. بعد مؤتـمـــر الأمن في ميونيخ، أكد نائب وزير الخـــارجيــــة الصينـــي فوـــ ينغ أن العلاقات الصينية - اليابانية «في أدنى مستـــوياتها». وفي دافوس، اعتبر عضـــو في الوفد الصيني أن رئيس الـــوزراء اليابانـــي شينزو آبي وكيم جونغ أون هما مـــن يفتـــعل المشاكل، واضعاً في الخانة ذاتها رئيس الوزراء اليابانـــي وزعيم كوريا الشمالية. ووصف آبي الصين بأنها دولة عســـكرية عدوانية مستخدماً تشبيهاً لموقفها مستمداً من سلوك ألمانيا حيال بريطانيا عشية الحرب العالمية الأولى. وظهرت الحمّى الجديدة في علاقات سوء الجوار بين بكين وطوكيو بعد إعلان الجمهورية الشعبية في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إنشاء «منطقة دفاع جوي» تشمل الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي. ومنذ سنة تبدو علاقات القطبين الاقتصاديين في المنطقة في أسوأ حالاتها بسبب نزاع على مجموعة جزر صغيرة غير مأهولة، تسيطر اليابان عليها وتسميها سنكاكو، في حين تطالب الصين بها مطالبة حازمة وتطلق عليها «دييايو». وسمحت السلطة الصينية في 2012 لآلاف من المتظاهرين بإلقاء البيض والعبوات البلاستيك على سفارة اليابان لكن بكين قررت بعد ذلك تبني استراتيجية محسوبة اكثر، معتمدة على «الهفوات» اليابانية، خصوصاً بعد تفقُّد شينزو آبي المعروف بمواقفه القومية المتشددة في 26 كانون الأول (ديسمبر) مزار ياسكوني المخصص لتكريم 2.5 مليون شخص قضوا من أجل اليابان، خصوصاً 14 مجرم حرب دينوا بعد 1945. وشن الديبلوماسيون الصينيون المعروفون بتحفظهم «هجمات» في كل العواصم، واستحضر السفير في لندن لوي تسياومنغ في مقال نشرته صحيفة «ديلي تلغراف» شخصية اللورد فولدمورت الشريرة من سلسلة هاري بوتر ليدين الميول العسكرية لرئيس الوزراء الياباني. وفي الوقت الذي تتضخّم ثقة الصين في نفسها وتتمرس في فن «القوة الناعمة»، تصبح «خصماً» مخيفاً للولايات المتحدة في المنطقة على رغم «التحول» (الأميركي الذي أعلنه الرئيس باراك أوباما) نحو آسيا. * صحافي، عن «لو فيغارو» الفرنسية، 16/2/2014، إعداد ح. ع.
مشاركة :